*- شبوة برس - القاهرة – أشرف عبد الحميد
وصفه الكاتب الكبير محمود عباس العقاد "بعبقري التنوير،" ووصفه الكاتب السيد يوسف "برائد الاجتهاد والتجديد للفكر الديني،" ووصفه آخرون بباعث الدولة المدنية وإمام المجددين، وقال عنه الكاتب والمفكر محمد عمارة إنه مجدد الدنيا بتجديد الدين.
لم يكن الإمام الراحل #محمد_عبده يعلم أن ما نادى به قبل قرن ونصف من الزمن يمكن أن يتحقق، وأن ما خشي منه تحقق، فقد كان بفكره الثاقب يرى أن استخدام الدين مطية للسياسة يضر بالدين والسياسة معاً، وأن وصول التيارات التي تستخدم الدين وسيلة للحكم في بعض الدول يضر بالدين وبالسياسة وبالحياة.
وكانت نظرته المطالبة بإبعاد رجال الدين عن حكم الشعوب، مبنية على أساس أنهم قد يعتبرون رأيهم صواباً يتماشى مع الدين، دون أن يدركوا أنه خطأ يجافي الدين.
في منتصف القرن التاسع عشر نادى الإمام الراحل بالإصلاح الديني، وتجديد الفكر الإسلامي، وكما يقول أقاربه الذين التقت بهم" العربية.نت" في مسقط رأسه بقرية محلة نصر بمركز شبراخيت محافظة #لبحيرة ، فإن تلك المطالبات كانت سبباً في نفيه وتشريده ودافعة له للعزلة والرغبة في الابتعاد عن #مصر.
وتحقق له ما أراد حيث نفي إلى #لبنان وفرنسا وهناك التقى بأستاذه جمال الدين الأفغاني .
كان جمال الدين الأفغاني سبباً في تحول محمد عبده من #الصوفية إلى الفلسفة، ودافعاً له إلى الإصلاح، لكنهما اختلفا في الأسلوب والوسيلة ومازال حديثهما ونقاشهما عن الإصلاح يثير الإعجاب والجدل معاً.
ففي الحديث النادر بينهما، قال محمد عبده للأفغاني: أرى أن نترك السياسة ونذهب إلى مجهل من مجاهل الأرض، لا يعرفنا فيه أحد، نختار من أهله عشرة غلمان أو أكثر من الأذكياء، سليمي الفطرة، فنربيهم على منهجنا ونوجه وجوههم إلى مقصدنا، فإذا أُتيح لكل واحد منهم تربية 10 آخرين لا تمضي بضع سنين أخرى، إلا ولدينا 100 قائد من قادة الجهاد في سبيل الإصلاح، ومن أمثال هؤلاء يرجى الفلاح.
ورد جمال الدين الأفغاني قائلاً: إنما أنت مثبط نحن قد شرعنا في العمل، ولابد من المضي فيه، ما دمنا نرى منفذا.
يشار إلى أن التجديد الديني كان سلاح الاثنين، لكن محمد عبده كان يرى أن الإصلاح يبدأ في الفكر ومحاربة الجهل، والتخلف دون رفض أصل حضارتنا العربية وهو الإسلام.
وكان الخلاف بين الأفغاني ومحمد عبده يقتصر على الإصلاح والنهوض بالوطن، فالأفغاني من أنصار الثورة ضد الاستبداد والقهر، بينما يرى محمد عبده أن تغيير المجتمع وإصلاحه يجب أن يكون تدريجياً، وعن طريق التعليم ومواجهة الجمود والتخلف.
لخص محمد عبده منهجه في الإصلاح الديني واللغوي، وكان لا يرى طريقاً للإصلاح الديني سوى بإصلاح الأزهر، وقال في ذلك جملته الشهيرة إن بقاء الأزهر متداعياً على حاله محال، فهو إما أن يعمر، أو أن يتم خرابه.
كان الإمام الراحل قد وصف الأزهر بأوصاف قاسية، إذ كان يراه باعثا على الجمود. ولم تتح لمحمد عبده فرصة إصلاح الأزهر إلا بعد أن تولى الخديوي عباس الثاني الحكم، حيث أصدر مرسوماً يقضي بإنشاء مجلس لإدارة الأزهر ويضم بين أعضائه محمد عبده، فجدد الإمام بعض الأشياء في الأزهر وحاول الإصلاح حتى رحل الخديوي واستقال معه محمد عبده.
ويقول الكاتب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه "عبقري الإصلاح محمد عبده" إن الإمام كان ثائراً، ولكنه لم يكن عرابياً، كان يؤيد الثورة العرابية في أمرين هما تنبيه الرأي العام وجمع كلمته للمطالبة برفع المظالم وإصلاح الحكم وإسناد المناصب الكبرى ووظائف الحكومة عامة إلى الوطنيين.
وثانيهما هو التعويل على إنهاض الأمة وإقامة نهضتها على أسس التربية والتعليم وإعدادها للحكم النيابي المستقل برغبتها الصادقة وقدرتها علي صيانته من عبث الولاة المتسلطين.
توقع محمد عبده أن تنهض أوروبا وتسبق دول العرب والمسلمين لأنهم يطبقون الإسلام دون أن يعتنقوه من حيث الالتزام والإتقان والانضباط الخلقي والسلوكي وأخذهم بالأسباب في إقامة حضارة دون انغلاق فكري، أو جمود عقلي أو الانصياع لحكم الباباوات. وكان يقول إن الحاكم ليس له سلطة دينية فيحكم على عقائد الناس بالفساد أو الصلاح، كما كان يفعل الباباوات في أوروبا، وإنما الحاكم سلطته مدنية ويحكم بالشرع الإسلامي كسلطة تنفذ هذا الشرع.
هنا كان محمد عبده يتلقى بطلابه
وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين
وفي رحلته إلى فرنسا انبهر الإمام الراحل بما رآه من نهضة وتنمية وحضارة. وقال جملته الشهيرة وجدت هنا إسلاماً ولم أجد مسلمين، وفي ديار الإسلام وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام، ويضيف وجدت المبادئ والقيم والمثل العليا، وكلها صفات يطالبنا بها الإسلام ووجدت أمانة وإتقانا وإخلاصا، وكلها سمات يحثنا عليها ديننا، وبذلك فهم مسلمون بلا إسلام.
كان محمد عبده موقنا بأن المشكلة ليست في الدين، وإنما في الفهم الخاطئ له، وما تراكم على هذا الفهم من أفكار استمرت في الوجود واكتسبت قداسة طمست حقيقة الإسلام التي تدعو للبناء والرقي المادي والروحي، باتساع المكان والزمان ووفق متطلبات كل عصر.
وعندما توفي عبده كان الخبر صادماً للمصريين والعرب وكل عشاق التنوير والحضارة وتجديد الفكر.
ورثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم قائلاً :
بكى الشرق فارتجت له الأرض رجة
ضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي اليمن جازع
وفي مصر باك دائم الحسرات
وفي الشام مفجوع وفي الفرس نادب
وفي تونس ما شئت من زفرات
بكى عالم الإسلام عالم عصره
سراج الدياجي هادم الشبهات.
*- نقلآ عن العربية نت