تعود اليوم ذكرى تلك المبادرة الخيرة ، ذكرى التصالح والتسامح ،والتي اعلنت في عام 2006م حيث دعت (جمعية ردفان) الى لقاء هام ، خرج بإعلان التصالح والتسامح الجنوبي ، بحضور العديد من الشخصيات الجنوبية من مختلف مناطق الجنوب.
تعود هذه الذكرى اليوم ، وهي اكثر ثباتاً وتقبلاً ورسوخاً ، ونحمد الله اننا في الجنوب نتمتع بهذه الروح المتسامحة ، ولا تجرنا الاحداثات الاليمة مرة اخرى الى مربعات العنف ، رغم كل التربصات ومحاولة تخليق الفتن ما ظهر منها وما بطن .
ومن نافلة القول ان ما وحد شعب الجنوب بهذه الصورة الملهمة، هو الاحساس العميق ، اننا بدون ان نتصالح ونتسامح ستذهب ريحنا ويتمزق صفنا ولن نقوى بعد ذلك في الدفاع عن حريتنا وارضنا. وفي لحظة حاسمة نجت سفينة الوطن من الغرق .
على ان المجلس الانتقالي كحامل وطني اثبت ان التصالح والتسامح يلزمه حالة من التصالح مع المكونات والرموز ايضاً ، ونجحت تلك الحوارات ،وهي اليوم تحقق الهدف المنشود . وتتميز هذه المصالحة الجنوبية انها لم تتخلق كمبادرة في مكاتب الامم المتحدة او الدول الكبرى والتي لا تدخل في عُرس الا ولها قرص .
لا زلت اتذكر تلك المبادرات التي كانت برعاية اممية ومناديب وهم كشاهدي الزور ، فحولهم تدور اكثر من علامة استفهام والشكوك تدور في صدق نواياهم واخلاصهم ، واثبتت الايام انهم كانوا يحضرون لمشاريع ظاهرها السلام وباطنها الفتنة .
وتذكروا وعودوا الى حوارات ( فندق موفمبيك ) التي دارت ولمدة سنة ولم تكن الا لتمرير مشاريع خبيثة تبينت فيما بعد . وكم اتمنى ان لا تثق الدول العربية في اي مبادرات اممية بل ان تثق بمبادرات عربية فان ان لم تنجح ، فلن تدس لنا السم في الدسم .
على ان هناك من يعجب لصمود مبادرة التصالح والتسامح ! والحقيقة فأن السر في هذا الصمود لهذه المصالحة هو حالة وعي استثنائي وملهم ، توفر لكل الجنوبيين في لحظة مواتية وفي ظروف صعبة ، حيث ان الجنوبيين ادركوا ان عزهم ونصرهم وثباتهم هو في رص صفوفهم وتصالحهم مع بعضهم البعض اما الفتنة والتحاقدات فهي الحالقة .
تذكروا اخوتي ان المسلمين عجزوا عن التصالح وتحييد تاريخهم ، ومحاولة عدم ايقاظ ذاكرة الثأر ، ففتكت بهم العداوات والفتن ، حيث ان سيرة ( السقيفة ) في المدينة لا زالت راسخة في اذهاننا بذكرياتها وكانها وقعت اليوم . لا بل ولا زالت ( واقعة الجمل ) والصفيين ومقتل الحسين في كربلاء تحشد ذاكرتها وتجرد سيوفها للثأر وذلك بعد انقضاء كل هذه القرون . لهذا فقد تمزقت الامة الاسلامية الى شيع
تعادي وتتربص ببعضها البعض حتى اليوم .
نبارك الانفسنا هذه المصالحة ونتمنى ان نجعل من هذا اليوم يوم اجازة وطنية في الجنوب ، فما تحقق ذلك اليوم في ردفان كان اعظم حدث في تاريخ الوطن الجنوبي .
واخيرا لا تبعثوا الذاكرة من مراقدها باي صورة من الصور ، فهذا يساهم في استعادة الاحزان ، فالتصالح والتسامح يَجُبُ ما قبله ويسدل ستاراً من النسيان الملهم ويضفي على النفوس هدأتها ، ولهذا فعلينا ان نحاول ان نتعلم ان نسيان الموجعات شكل من اشكال الحرية .
*- فاروق المفلحي