قبل الوحدة بين شطري الوطن كان ثمة بيننا- نحن الذين اخترنا طريق اليسار، ودخلنا سجون ومعتقلات النظام في الشمال، وتعرضنا لكافة أشكال وصنوف القمع- من يبرر العنف والقمع والتعذيب الذي يمارسه النظام الاشتراكي ضد إخوتنا المسجونين والمعتقلين في سجون ومعتقلات الجنوب.
كانت حجة هؤلاء هي أن القمع الذي يمارسه جهاز أمن الثورة هو قمع ثوري لا غبار عليه، وأن تعذيب المساجين والمعتقلين هناك هو تعذيب تقدُّمي هدفه حماية النظام اليساري من الخونة والمتآمرين.. واليوم فإن هؤلاء الثوريين الذين ثاروا على نظام علي عبدالله صالح يبررون جرائمهم ويدافعون عنها، ويريدون إقناعنا بأن جرائم عهدهم الثوري جرائم ثورية يبررها منطق الثورة، كون الدم الذي يُسفك فيها يصبُّ في مجرى التغيير الثوري.
لكن الجريمة هي الجريمة.. لا فرق بين جريمة "جمعة الكرامة" وبين جريمة "جامع النهدين"، وبينهما وبين جريمة جهاز الأمن القومي وغيرها من الجرائم.
غير أن أبشع الجرائم تلك التي تُرتكب باسم الثورات.
ومأساتنا في اليمن أن كلَّ جرائم النظامين قبل وما بعد الوحدة، وقبل وما بعد الثورة الشبابية السلمية هي جرائم ثورية.. جميعها كانت تُقترف باسم الثورة وباسم حماية أنظمتنا الثورية.
لقد كان النظام في الشمال قبل الوحدة يحبس ويعتقل ويعذب ويقترف كلَّ الجرائم باسم ثورة 26 سبتمبر.. وكان النظام في الجنوب يفعل نفس ما يفعله النظام في الشمال باسم ثورة 14 أكتوبر.
لكن لأن النظام الثوري في الجنوب كان يسارياً فقد كان الجلادون أثناء التعذيب يعلِّقون المُتّهم من رجله اليسار، أما في الشمال فلأن النظام الثوري كان يمينياً فقد كان جلادو النظام يعلِّقونه من رجله اليمين، وكان هذا هو الفرق بين النظامين الثوريين.