تصالحوا مع السلاطين.....

2021-01-14 09:21

 

كان والدي الشهيد الشيخ "قاسم عبدالرحمن المفلحي" طيب الله ثراه قد حضر احد الاحتفالات في عاصمة سلطنة لحج .

كان الإحتفال البهيج ، بمناسبة قدوم  السلطان الثائر . عبد الكريم العبدلي طيب الله ثراه عائداً من زيارة له الى سويسرا .

في ذلك الحفل البهيج الذي اقيم في - الحوطة - وسعدت لحضوره الجماهير ،كما وضم نخبة من شخصيات الجنوب وتجارها وكذلك بعض امراء وسلاطين  ومشائخ  ورجال الاعمال بل وضم الحفل بعض من كبار ضباط الجيش الإنجليزي والمستشارين .

في ذلك الحفل البهيج القيت الخطب والقصائد الشعرية مرحبة بقدوم السلطان، وفي المساء كانت الحفلة الفنية في بلاد الفن والفل والقمندان .

ومن تلك الاشعار التي القيت في الحفل كانت قصيدة لشاعر لا زلت احفظ منها بيتين كان يرددها والدي ، قال فيها الشاعر وهو  يوجه سؤاله الى السلطان .

كيف    أوروبا        وماشهدتموه

اسويسر لاند      تبدو     كعدنْ

الى ان قال

هذا قلبي لم يزل   بين اضلعي

كلما  حسَّ كلمة    العُرب  أنْ

لكن الذي زار عدن في تلك الايام لدهش لنظامها وبهائها ونظافتها واتقان تصميمها وجمال جاداتها وشوارعها وبنيانها وسواحلها، واناقة سكانها وتحضرهم وثقافتهم

من زارها ونزل بعدن لن يأنَّ قلبه ولن تتملكه سوى الدهشة الغامرة .فعدن كانت سويسرا الشرق !

في عدن كانت -بخارات- او معارض المعلا والتواهي والشابات في خور مكسر وكريتر ، كانت تستقبل في كل يوم  افواج السواح القادمين من  كل انحاء العالم .

كانوا السواح وخطوط السفن يحرصون ان يجعلوا من عدن محطتهم للتسوق في المناطق الحرة وكانت عدن  اول منطقة حرة -باذخة - في الشرق الاوسط .

كان يستقبل حينها ميناء عدن اكثر من ثلاثين سفينة يومياً ! وذلك ليتسوق ركاب السفن من منطقتها الحرة ، ولتزويد السفن  بالوقود واعمال الصيانة في الحوض الجاف،  بل والتموين الغذائي للسفن وكانت عدن تعيش في كل يوم مواسمها البهية واعيادها  الغامرة .

 وفي طفولتي كنت امر على متاجر التواهي لاتامل المعروضات من ساعات ماركات عالمية الى معارض المجوهرات والملابس والشنط الراقية بما فيها العاب الاطفال التي كانت تأسرني  .

 كانت عدن تمتاز بجودة خدماتها وموثوقية تلك الخدمات، فلم تسجل عدن انقطاع التيار في اي يوم قط ، وكذلك كانت شبكة المياه . اما عن الامن فقد كانت تعيش سكينتها وامانها وهدأتها .

 

كانت عدن قد استقبلت اول شركة اتصالات عالمية  وهي شركة- كيبل اند وايرلس- بل وفتحت البنوك العالمية فروعها في عدن وكان مطارها من اهم مطارات العالم ، وكذلك كانت مصفاة البريقة التي كانت اول مصفاة في العالم العربي .

وعودة الى السلطنات، وعن لحج  فقد كانت لحج - الخضيرة - تنعم برخاء منقطع النظير تعيش القها الثقافي والفني وتنعم برخاء وسلام اجتماعي مدهش .

وكانت سلطنة لحج  قد اكتملت اركانها كدولة واكتملت مرافقها ومحاكمها  ونظامها ودستورها حتى ان سلطان لحج طلب من الجامعة العربية الحصول على العضوية ، فعارضت المملكة المتوكلية اليمنية هذا الطلب .

وعن السلاطين العبادل فقد اغدقوا اهتمامهم على سلطنة لحج بحيث كانت تمثل النموذج البهي لكل ولايات الجنوب العربي.ولا زال قصر السلطان العبدلي الذي شيد في عدن يدهش بعمارته وسخاء هندسته وروعته . 

 نافست سلطنة لحج بعض من الولايات الغربية في ذلك الزمن ومنها سلطنة يافع الساحل وعاصمتها - جعار -وكانت سلطنة يافع الساحل تعيش في ذلك الزمن القها وازدهارها  في التعليم والادارة والبلديات  ونظام الري والسدود .

في الجوار من سلطنة يافع الساحل كانت سلطنة الفضلي التي كانت تعتبر حينها سلة غذاء الجنوب ومركزاً تعليمياً وكانت تتمتع بنظام اداري راق وحكاماً عشقوا الارض واخلصوا للانسان .

 وعن عاصمة الفضلي -زنجبار - فيقال ان السلطان الفضلي دعي لزيارة - سلطنة زنجبار - العمانية في افريقيا  -تنزانيا - فسحرته مدينة - زنجبار - وبعد عودته وعندما قررت السلطنة بناء عاصمة ادارية جديدة - اطلق عليها السلطان الفضلي - زنجبار - تيمنا بزنجبار العمانية !وكان ملكها  برقش ال تيمور  السعيدي

 كانوا سلاطين وامراء ومشايخ الجنوب قد قطعوا اشواطا في تنمية ولايات الجنوب العربي فاقت تلك الاشواط دول الجزيرة العربية بمراحل .

وفي الشرق  من الجنوب - كانت حضرموت - حيث ازدهرت سلطنة الكثيري وسلطنة القعيطي . وكان الازدهار مدهشا وعجيبا  ومرتبطا  ومتاثرا بهجرات الحضارم الى الارخبيل الاندنوسي وسانغفورة وماليزيا بل وشرق افريقيا.

 ساهموا الحضارم في رخاء تلك البلدان وازدهارها  فانعكس ذلك الازدهار على حضرموت على ان تجار الحضارم كانوا ، تقى وورع وصدق وأمانة  بل ان الفتح الحضرمي الاسلامي الانساني الوسطي  -لاندونيسيا -يعتبر اعظم الفتوحات الاسلامية منذ فجر الاسلام واهم من فتح مصر والسند والهند والاندلس.

 

وعن ولايات الجنوب العربي وحكامها الطيبين المخلصين  فقد تم تشويه تاريخهم وسيرتهم ،وكان مبعث كل ذلك التشويه هو الصراع على الحكم.

كذلك حكام الشمال الجمهوريين بدورهم اتخذوا السلاطين خصومهم واسطوانتهم المشروخة -  فهم اعداء الوطن واعداء الوحدة !

ما اكتفى الجمهوريون في اليمن بتلك العدوات والغل لاسرة آل حميد الدين الذين كانوا اكثر الحكام زهدا وتقى .

نعم كان لهم اخطاء الا ان تلك الاخطاء لا تقارن بمثالب الجمهوريين وافاعيلهم وفسادهم وطغيانهم .فجمعوا  الجمهوريون في اليمن جمعوا الى الاعداء  سلاطين الجنوب !

وعن العداوات وتكريسها في وعي الجماهير وتكرارها ، فقد تسببت في اليمن في انتقام انصار الله من الجمهوريين.

رغم مطالبة الكثيرون في وقف العداء وحملات التشويه فقد فشلنا  في  في الغاء التحاقدات والعداوات والغل، بل واستلهام توصيات الامم المتحدة  في تفعيل  قانون -العدالة الانتقالية- - Transitional Justiceاسوة بدول طبقتها فأعادت السكينة والوئام الى شعوبها ، ومن هذه الدول  تشيلي  وجنوب افريقيا .

اثناء ملتقى - موفيمبك -افرزت مخرجات الحوار الوطني مشروع - العدالة الانتقالية- حيث وكنت اعتبره من اهم مخرجات الحوار الوطني، ولكنه ذهب ادراج الرياح بل ذهب الوطن كله ادراج الرياح العاتية .

والجنوب العربي اليوم على مفترق طرق فاننا نأمل بل نحث -المجلس الانتقالي- على تطبيق ما اطلقت عليه الامم التحدة مصطلح - العدالة الانتقالية-

وتوسعة - فالعدالة الانتقالية -واهمية استلهامها وتطبيقها  في الجنوب فهي البلسلم الذي يبلسم ويشفي جروحنا ويزيل الضيق من صدورنا .

 وعن اسر السلاطين فمطلبنا الذي سنحث الانتقالي عليه هو اعلان تطبيق العدالة الإنتقالية فهذا الاعلان يعتبر  صمام الامان وطوق النجاة للوطن .

ليس في تطبيق - العدالة الإنتقالية -  اي محاكمات او اتهامات او وصمات وانتقامات بل اعلان التسامح والتصالح وجبر الضرر  الذي لحق بسلاطين الجنوب بل وكل سخصيات ومكونات الجنوب التي اقصيت وشوهت وظلمت ومنها حزب  رابطة الجنوب العربي وجبهة التحرير .

((على ان سلاطين الجنوب اعطوا وما استبقوا من اجل الانسان ، حتى التوت اضلعهم ، وشاخت امانيهم على وطن اسكنوه قرارات قلوبهم فاسكنهم الجهلة ظلمات السجون )) .

فاروق المفلحي

كندا