مقاربات عبثية لإقناع الحراك بالحوار
سامي غالب
كل المقاربات المحلية والإقليمية والدولية لإقناع الحراك الجنوبي بالانخراط في مؤتمر الحوار الوطني عبثية أيا تكن بواعث أصحابها وتقديراتهم. حصيلة هذه المقاربات في أحسن الأحوال ستتمثل في إقناع بعض المكونات, بالترغيب أساسا, وربما بالترويع إذا لزم الأمر, بالمشاركة في المؤتمر المقرر انعقاده منتصف نوفمبر المقبل. والسؤال الذي يهرب منه الجميع: ماذا بعد المشاركة؟
الظاهر, بالشعارات وبالسلوك على الأرض, أن الفجوة بين مكونات الحراك الجنوبي والقوى الرئيسة الفاعلة في النظام السياسي اليمني, وبخاصة الرئيس هادي والتجمع اليمني للإصلاح وحلفائه, تتسع, وأزمة المصداقية تتعمق, وجلب الأطراف, بالفرض أو بالإغواء أو بالتحايل أو بالإحراج, إلى مؤتمر حوار وطني لا يعني بالضرورة نجاحا, بل من المحتمل أن يؤدي إلى اشتعال حرائق داخل المؤتمر وخارجه, وتخليق عناصر جديدة للأزمة الوطنية في غير موقع في المجالين السياسي والوطني.
مؤتمر الحوار الوطني ليس مسألة فنية توكل إلى لجنة وطنية, ولا هو منتدى فكري أو سياسي, يؤتي ثماره فور التئامه. لا, ولا هو شأن دولتي, مهما تكن خطورته, يستدعي نفيرا وطنيا ونجدة خارجية قد تفرض تنسيقا متحكما فيه (داخليا) مع منظمات ودوائر دبلوماسية واستخباراتية, اقليمية ودولية.
ليته كذلك! هو استحقاق مصيري يتصل بوجود الدولة ذاتها: استمرارية كيانها, وشرعية عناصرها التأسيسية وسلامة حدودها وضمان سلمها الأهلي. ما يعني أن الخفة والشطارة والتكتيكات البارعة والمناورات الذكية والحيل التقليدية, ليست الأدوات المناسبة لتأمين نجاح المؤتمر وبالتالي تجنيب اليمنيين المصير الصومالي, فانهيار الدولة هناك دفع بأشقائنا الجنوبيين (في الضفة المقابلة لخليج عدن) إلى أتون حرب أهلية اكتسبت مع طول أمدها, سمة الاعتيادية.
اختار الرئيس هادي وحلفاؤه الجدد (والأقدمون بحسب رواية علي محسن الأحمر) اللعب في مسطرة الزمن, يهدرون الوقت بتعظيم ما يعتبرونها مكاسب استراتيجية من شاكلة السيطرة على مربعات إضافية في رقعة الشطرنج الوطنية, ينصبون رجالهم من أهل البيت والثقة في مواقع عسكرية وأمنية وإدارية وإيرادية! ينغمسون في حسابات المحاصصة في الخدمة المدنية حد تشكيل لجان خاصة مهمتها توزيع المغانم لكأنهم برابرة عادوا للتو من رحلة صيد يجرون وراءهم بلدا بأكمله فريسة. من ذلك, أيضا, تصعير خدودهم للناس الطيبين الذين دفعوا الغالي, من قوتهم ودمهم وأرواحهم, من أجل التغيير, والانهماك في تعزيز مشاريعهم الصغيرة (الصغيرة بالتأكيد) داخل البلد/ السوق! ومن ذلك, أخيرا, تغيير الهدف في وسط الطريق إلى الأطراف غير الموقعة على المبادرة الخليجية. ما عاد الهدف السعي إلى إقناعها بالانخراط في العملية السياسية وإنما التغلغل إلى قلبها لتغيير الموازين, وإلا فمنازلتها علنا في عقر دارها عبر تحفيز منافسين, من داخل الدار, أو تخليق ممثلين جسورين في لعب الدور, يخوضون بالنيابة عنهم حروب تمثيل محلية.
الخفة تفيض من المركز, مركز الدولة والسياسة والحوار, إلى البقاع الساخنة في اليمن, وبخاصة في الجنوب, مسعرة حروبا لا تنتهي على الأرض والأدوار والتمثيل. أعاد أطراف المبادرة انتشارهم في غير منطقة لخوض حروب محلية ضد الأطراف الخارجيين (حراك وحوثيين) المدعوين إلى الحوار. ما من شك في أنهم يحققون اختراقات مؤثرة في غير جبهة, تشجعهم على الاستغراق في حروب تمثيل الضحايا, ضحاياهم هم, استغراق حد إخلاء مراكزهم الأصلية في المبادرة الخليجية, واستنزاف الشرعية المحدودة التي وفرتها لهم.
والحل؟
ليس المطلوب من الرئيس هادي, وحلفائه, الجدد والقدامى, تحقيق اختراقات في جبهات الخصوم, حراكيين وحوثيين, بل في المنهج الذي اعتمدوه غداة الوثوب إلى السلطة؛ يمكنهم البدء من تغيير صيغة السؤال الحاكم لحركتهم برمتها: «كيف نجلب الأطراف الأخرى إلى المؤتمر؟». فليجربوا, مثلا, أداة الاستفهام «لماذا؟».