كتبت الدكتورة . نعمة صالح عوض . حفظها الله وسدد قولها ، كتبت خاطرة عن أهمية الأمن الفكري .
فوجدت ان هناك من يشجعني ان اتحدث ومن خلال ما احمله من تصور حول اهمية - الأمن الفكري-
على ان هناك الامن الفكري والاخلاقي ونستطيع مجازا ان نقول وهناك الوعي او الامن الفكري الصحي والغذائي والامن الفكري الوطني والامن الفكري الديني .
نعود الى طريقتي في الكتابة وسرد الامثلة ، فعن الامن الفكري في الصحة واللياقة . تجد هناك من لديه وعي صحي يعزز تفكيره واسلوبه في العناية بصحته ، فتجده يحد من تناول السكريات والنشويات ويمارس الرياضة بالتزام بل ويراقب وزنه وساعات جلوسه ان طالت .
وهناك امن فكري ديني . فهذا الشخص الذي يعيش هذا الامن وهذا الوعي ويتمتع بالحصانة ، فلا يصيخ اويستمع الى احاديث التنطع ، ولا يالف في حياته التشدد ولا يتذمر من سماع الموسيقى بل ويطرب لها ، ويميل بشكل صحي الى الفنون والنحت والمسرح والسينماء ، بل ولا تعتريه حالة من الذنب في ان يكون بهذا الانفتاح الثقافي . بل انه يتقبل اخوته في الانسانية رغم اختلاف دينهم ومللهم ومذاهبهم .
وهناك ما يسمى الامن الفكري الوطني او الاجتماعي وهو ان ترسخ في المجتمع ثقافة اعمال المنطق وتصديق العلوم ودحض الخزعبلات والتنجيم والسحر او الشعور بالتميز العرقي او القبلي واهمية الولاء للوطن والدفاع عن حياضه .
كيف تحصن المجتمع بالامن الفكري ؟ وهذه قضية يجب ان تتعاون بها الحكومات والشعوب.
وتبداء بالمناهج التعليمية والخطاب الاعلامي والسياسي والديني . ولكن اهم من كل هذا هو في سن القوانين الرادعة . فالله يزع بالسلطان ما لم يزع بالقرآن.
دعوني اضع بين ايديكم مثالاً على ذلك في توفر الامن الفكري عند بعض الشعوب .
وعلى سبيل المثال المواطن الياباني ، فهو يتمتع بأمن فكري يصل مرحلة العقيدة في الاخلاص الوطني وفي الالتزام بالعمل وفي الإمتثال للقانون والأمانة والصدق والتضحية بالروح عند تعرض الوطن للمخاطر والاحتلال.
كيف توفرت وترسخت لدى المواطن الياباني هذه الاخلاقيات؟
انه التعليم الاخلاقي والسلوكي والتربية الوطنية الوطيدة ، التي تبداء من دور الحضانة وحتى السنة السادسة من الدراسة الاعدادية.
كل هذه السنوات يكرس في عقل الصغير مثل وتعاليم الاخلاق والقيم وحب العمل والتعاون والولاء الوطني، وتحتل مناهج الاخلاق في اليابان معظم مناهج المدارس الابتدائية .
هذه المناهج الاخلاقية ثبت انها اهم من دراسة الجغرافيا والتاريخ والفقه والفنون والرياضة ، وهذه التعليمات الاخلاقية او المناهج تمثل اعمدة تكون الشخصية للمواطن الياباني وامنه الفكري .
لذا فلا تتعب الاسرة اليابانية في التلقين ولا تتعب الحكومات من مخاوفها من فقدانها ثقتها وباخلاص شعبها لها ،
لان هذا المواطن قد تشرب صغيراً القيم وترسخت هذه الاخلاق في عقله وصارت عقيدة يؤمن بها ولا يحيد عنها.
والامن الفكري يحتاج الى قوانين تحد من التنطع الديني واهمية عدم السماح لرجال الدين في التعبير الجارح ضد منهم على غير دينهم او مذهبهم، بل ويتعدى ذلك الى عدم السماح بالتهجم ضد المرأة والقسوة عليها في النقد والتجريح واللوم والتقريع .
ومثال على ذلك ، فلا يجوز ان تختلف وتتضارب المنابر في الرسائل ، فهناك خطبة دينية متشددة يقابلها خطاب اعلامي مرن . ولا يمكن ان نلقن في المدارس ما يخالف ما نقراءه في الصحف وما نتابعه في وسائل الاعلام .
ولكي ننعم بسلام ثقافي فعلينا توحيد المنهج الاعلامي والتعليمي والديني والخطاب السياسي.
ما وقعت به بعض الدول العربية انها تركت الفضاء واسعاً لرجال الدين المتشددين فصالوا وجالوا
فخلق لنا هذه الفضاء الاعلامي الواسع حالة انفصام فكري وسلوكي وأوجد او كرس تشدد وعنت ثقافي ديني متطرف لا زلنا ندفع ثمنه الفادح حتى اليوم .
ونعود الى الوازع فلا يمكن ان نكتفي بالتوعية ، اذا لم نرفد هذه التوعية بالرادع القانوني . فلو اكتفينا بالتوعية المرورية دون عقوبات ، لخالف الناس كل قوانين الحد من السرعة وتخلوا عن ربط الحزام بل وقطعت اشارات المرور الحمراء دون اكتراث او مخافة ، وصارت السياقة متعة للمتحدثين بالهاتف الجوال .
ولهذا فقد سررت عندما سنت المملكة العربية السعودية بل ودولة الامارات العربية المتحدة قوانين تحد من التنمر في وسائل التواصل ونشر مقالات تستهتر وتمقت وتزدري فئة او لون او مهاجر .
كما منعت هذه الدول انشاء منصات ومواقع على النت تدعو الى العصبية والقبلية او التعرض للمهاجرين او وصم طبقة او فئة من السكان ببعض العبارات النابية
وتشددت هذه العقوبات بحيث تردع كل عابث ومتهور بالسجن والغرامات القاسية. هنا نحد من هذا العبث السلوكي بل الاختلال الاخلاقي الخطير .
على ان الاختلال الفكري والامني يبداء من منابر المساجد
فكما دائما اردد ، فهذا المنبر الذي يخطب منه خطيب الجمعة ليس منبر الخطيب ، بل انه منبر رسول الله صل الله عليه وسلم . وعلى كل خطيب ، ان يزن كل كلمة وعبارة وجملة في خطابه .
بل انني اطالب ان تتوحد الخطبة في المسجد فتكرس لظرف الزمان والحدث ، لا ان تقال فقط لمجرد ان الامام اختلف مع زوجته فقرر ان تكون الخطبة عن نشوز الزوجة.
الامن الفكري يتجاوز كل هذا الى منع الافتاء او الحد منه فهناك خلط وخلل وترف في الافتاء فلقد بلغ بالناس ان تسال هل يفطر الصائم اذا تسللت قطرات من الماء الى مؤخرته!! عند الإستنجاء ؟
وهناك من يسال اسئلة شائنة ولا يتورع الشيخ عن الاسهاب في شرحها وجرح اسماع الناس بفتواه ومنها ما يخدش الحياء .
كيف نحصن انفسنا ونتسلح بالامن الفكري ؟ هذا سؤال مهم والاجابة عليه تتطلب لجان علمية واساتذه ، يفندون اخفاقات تفكيرنا وتقبلنا لكل الخزعبلات التي تنطلي علينا وتشوه قيمنا الانسانية والفكرية وتضعف مناعتنا الحوارية والجدلية فنستسلم ونذعن .
ومن هذا الضعف الفكري والسلوكي والديني تسللت الينا - داعش - فاختطفت امننا ومحبتنا ووعينا وسلامنا الاجتماعي .
الامن الفكري ، جهد أمة وتكاتف العلماء والمربين والقادة . وهذا الامن الفكري هو طوق نجاتنا وحصانتنا ومناعتنا ضد ما تواجهنا من جوائح.
فاروق المفلحي