عن بيان مؤتمر حضرموت الجامع :

2017-04-24 16:14

 

كان الكثير يرددون وباقتناعٍ تامٍ بأن عصر التطور والنهضة والتنمية والازدهار والعدالة الاجتماعية سيتم تدشينه بمجرد التوقيع على صفحة واحدة فقط من اتفاقية الوحدة اليمنية بين دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وبين جمهورية العربية اليمنية، لكن أيٌّ من ذلك لم يتم، وكل ما حدث كان على العكس من كل هذه الغايات، وبأسوأ ما يُمكن.

بمعنى إنه لا يمكن التعويل على بيان تم الإعلان عنه في فعالية معينة، مهما كانت أهميتها، لتغيير مجرى التاريخ، فهناك من التعقيدات والمشاكل والإرهاصات والتشتت الذهني والواقعي والارتباطات الهشة بين القوى المختلفة ما يجعل التعويل على مجرد بيان لرسم أحلام ورديّة أو سوداوية، على الجانب الآخر، ضرباً من المستحيل.

بالتأكيد نحن نشير من خلال هذه المقدمة إلى البيان الصادر عن "مؤتمر حضرموت الجامع" والملاحظات المختلفة التي تهافتت على التنديد به أو تأييده، أو فضلت أن تقيم فيما بينهما من منطقة رمادية.

بشكل عامٍ، يمكن القول بأن "الحضارم" ينطلقون في عمق  مضمون البيان من مطلب عام مشروع جداً، أي الحق في امتلاك إدارة نطاقهم الجغرافي باستقلالية تامة والاستفادة من مواردهم الخاصة، البشرية والطبيعية، الداخلية والخارجية، لتنمية حضرموت. وفي كثير من النقاط جرى التشديد على هذه "الاستقلالية"، عدا عن التهديد بها في حال لم يتحقق المطلب الحضرمي، لدرجة قد يرتبك معها تحليل القارئ وهو يقف على مطالب كثيرة، بجانب المطلب الأساسي، وربما قد يراوده الشك والظنون بأن القائمين على المؤتمر قد شرعوا بالفعل للتأسيس لدولة حضرمية مستقلة أكثر منه الإعلان عن مطالب "إقليمية" في إطار دولة، إلا إذا استثنينا "إقليم كردستان" الفريد من نوعه في إطار النماذج الفيدرالية العالمية.

علينا أن نفهم المزاج الحضرمي العام في الوقت الرهن، فهم موضوعي ودون الحاجة إلى افتعال مناوشات سياسية لا قيمة لها في ظل واقعٍ خارج نطاق التغطية. وهذا المزاج له أسبابه الموضوعيّة جداً على ضوء الارهاصات والاختلالات الكثيرة التي تعرضت له حضرموت طيلة الفترة الماضية، فالفضاء الحضرمي الذي يملك خصوصية كبيرة وواضحة، ولدى المنتمين إليه شعور طافر بالاستقلالية، كانت التجربة في ظل الحكم المركزي الغبي الذي صادر الإرادة والخصوصية المحلية تجربة مريرة وتركت ندوباً كبيرة في الوعي العام.

هناك ملاحظات كثيرة يمكن أن تُقال في هذا الصدد؛ حول توقيت إعلان المؤتمر في هذه المرحلة البرزخية الحرجة، وكيف يمكن الحديث عن إقليم في ظل دولة بات لا وجود لها سوى على المستوى الافتراضي، سياسياً على الأقل، وفيما  إذا كان البيان محاولة لتطمين قلق مخرجات الحوار الوطني والقائمين عليه في ظل المشاريع المتعددة المتداخلة، وربما قد ذهب البعض إلى القول بأن البيان جاء للتأكيد عليها، مع إن وجه الشبه بين المشروعين كان في الاسم فقط "إقليم حضرموت"، بينما اختلف تعريف "الصفة الحضرمية"، وبشكلٍ جذري، ولهذا جاء التمثيل محدداً للغاية... وهناك أيضاً من شكك في حقيقية الاستقلالية المنشودة في ظل الوصاية التي ترزح تحتها البلد، والتقاطعات مع قوى الإقليم، بما قد يؤدي في المحصلة النهائية إلى قيام استقلالية شكلية لا أكثر، ولكن وبدلاً من أن يكون المُمسك بقطع الشطرنج يقبع في عدن أو صنعاء، سيكون هذه المرة قابعاً في دولة من دول الجوار ضمن لعبة تهدف إلى السيطرة التامة على القرار المحلي عن طريق إدارة التناقضات... إلخ.

كل هذه الملاحظات والتساؤلات مشروعة، وينبغي نقاشها على أوسع نطاق ممكن، لكن ما هو ضروري في هذه اللحظات الفارقة أن نعيد النظر في تناولاتنا للقضايا العامة، تناولات ينبغي أن تتخلى عن الكثير من الأوهام والشطحات البهلوانية والنزعة الإيديولوجية، وأن تنظر إلى الواقع وتطوراته كما هو، وتتحرى الموضوعية التامة عند تحليله وتقييمه، حتى يسهل من خلاله الوصول إلى المنشود بأقل الخسائر الممكنة.

ربما تمر حضرموت بمرحلة مفصلية، وهناك مصالح مختلفة لقوى كثيرة، داخلية وخارجية، باتت تتهافت على حضرموت والمشروع الحضرمي، بل هناك في حقيقة الأمر إغراءات كثيرة في هذا الجانب، وعلى السياسي الوطني النبيه أن يلتقط خيطاً ولو رفيعاً في وسط هذا الظلام والضجيج لبناء مشروع وطني مع جميع القوى  لتحقيق المستوى الأدنى مما يطلبه الجميع، على الأقل.

ختاماً، وكما قلتُ في المقدمة، علينا ألا نتعامل مع بيان مؤتمر حضرموت الجامع وكأنه مصباحاً سحرياً، سواء على الجانب الإيجابي أو السلبي المتوقع، فالواقع يتطور بطريقة لا يمكن قراءتها أو التخطيط لها أو التوقع بها على الإطلاق، محلياً على الأقل، بينما المشاريع الوطنية تواجه صعوبات خارقة!

(هناك ملاحظات أخرى غير سياسية حول مضمون البيان، لكن الاقتصار هنا كان على الملاحظات السياسية، لأهميتها في ظل الجدل العام القائم).