منذ أمد بعيد وقفت الولايات المتحدة إلى جانب المنظومة والعقلية السياسية المُجيَّرة على نظام “الجمهورية العربية اليمنية”، ضد المنظومة والعقل السياسي المُجيَّر على نظام “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”. وكان من الطبيعي أن يسير الأمر على ذلك المنوال، طوال مرحلة الحرب الباردة التي شهدت قطيعة كاملة بين الولايات المتحدة وجنوب اليمن قبل الوحدة، وقد انعكس هذا الموقف التقليدي للإدارت الأمريكية المتعاقبة على مرحلة ما بعد الوحدة بين الدولتين السابقتين في الشمال والجنوب، والشاهد الأكبر، ذلك الدعم اللوجستي والسياسي الناعم لنظام صالح، أثناء حرب الوحدة والانفصال لعام 1994م والتي قادها وأشرف على مقدماتها، وضبط إيقاع استتباعاتها.. الدبلوماسي الأمريكي المُخضرم روبرت بليترو.. مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي حينذاك، وجاءت النتيجة الحتمية لصالح علي عبدالله ونظامه، وكان المُنجز الأمريكي الأظهر يتمثًّل في تهشيم الترسانة والعقيدة العسكرية السوفيتية في جنوب اليمن .
تالياً واستتباًعاً، تاقت الولايات المتحدة لتعميم نموذجها العسكري الناجز في اليمن الموحَّد بعد خرائب الحرب، ولم تضع بعين الاعتبار طبيعة المؤسسة الحاكمة في الشمال اليمني، بوصفها مجرد جماعات نفعية اوليغاريكية لا تنظر لأبعد من منافعها الأنانية، ولو كانت على حساب الدولة وأولوياتها.
كانت صدمة جنوب اليمن مُضاعفة، وأثبتت الطُغم المالية والعسكرية الجاهلة أنها أبعد ما تكون عن الدولة ونواميسها، وهكذا ساحت اليمن في ظلامات البؤس والتخلف والفجور المالي المتوازي مع فقر أسود، وكانت الإدارات الأمريكية المُتعاقبة أكبر شاهد زور على هذه الحالة .
وبالمقابل تمرَّغت الرموز الديناصورية لجنوب اليمن المغلوب على أمره، في متوالية متاهاتها القديمة الجديدة، فقد كانت إدارتها للعملية السياسية، ومنذ البدايات، تتَّسم بقدر كبير من الغباء المقرون بإخفاقات قاتلة، ولقد قدمت تلك المُستحاثات البشرية خدمة لا تقدر بثمن للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وظلت تضخه بأسباب النماء والتغُّول، بالرغم من كونها معارضة له!!، وتلك واحدة من عجائب القوانين الموضوعية التي تضع الأعداء الألداء في خانة واحدة، ولا أدل على ذلك من قرار مجلس الأمن الأخير الذي يضع علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض في ذات المربع ، وتلك واحدة من سخريات القدر ودهاء التاريخ، وللحديث استتباع.