التبست الأمم المتحدة بالحالة اليمنية بصورة مباشرة منذ عام 1994م عندما أوفدت مندوبها الأممي الجزائري الأخضر الإبراهيمي ليركض مع الماراثون التصعيدي الحربي الذي أراده رئيس اليمن الشرعي آنذاك، علي عبدالله صالح، مستعجلاً هدفه المبطن في القضاء على الحزب الاشتراكي اليمني، وتجربة جنوب اليمن قبل وحدة مايو، وقد أخفق ذلك الموفد الأممي في أن يكون وسيطاً قادراً على تبني المنطق السياسي السليم، وتبين لاحقاً أنه كان يقوم بدور الموظف العمومي المتداعي مع جهاز الأمانة العامة ذي الطابع الخيري المشمول بالوساطات الحميدة، وتقريب وجهات النظر بين المتنازعين، وقد اتضح جلياً في ذلك الحين أن موفدي الأمين العام لا يملكون أي صلاحيات حاسمة في تبني وجهة النظر العادلة.
الموفد التالي جمال بن عمر، كان أمامه معطيات واضحة المعالم وتسوية سياسية توافقية وافق عليها ووقعها رأس النظام السابق، وهي المبادرة الخليجية التي جاءت أصلاً وأساساً كمخرج عاقل لتجنب احتدام الحرب الشاملة في اليمن، لكن جمال بن عمر انخرط في وظيفة الموفد الذي يريد نجاحاً شخصياً، حتى إن كان ذلك النجاح على حساب المرجعيات التوافقية التي ارتضاها الجميع، وقد بدا ذلك الأمر جلياً في الأيام الأخيرة لمهمته، حيث تعاطى مع الحوثيين كما لو أنهم طرف سياسي أصيل في المبادرة الخليجية، وأظهرت مهمته الدور المنوط بجهاز الأمانة العامة باعتباره دوراً لا علاقة له بالجبر والإكراه لمن يرفض العملية السياسية، ويخطط للانقلاب على الشرعية، وكان من اللافت تماماً أن موفد الأمانة العامة الذي طالما قال بالمبادرة الخليجية، واعتبر مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته الأساس للحل، هو ذاته الذي حاول تسويق اتفاق السلم والشراكة مع الحوثيين وأنصار صالح المنقلبين على ما وقعوا عليه وساهموا فيه، ولم يبد موفد الأمين العام أدنى اعتبار للملحق الأمني لتلك الاتفاقية والقاضي بتسليم سلاح الدولة لمؤسسات الدولة. تالياً جاء الموفد الجديد ولد الشيخ ليقع في المطب المكشوف ذاته، ذلك أنه وبعد حوار الطرشان في الكويت، خرج ولد الشيخ بوثيقة سياسية ملزمة للجميع، وكانت تلك الوثيقة متضمنة لمرجعيات الحل والعملية السياسية معاً، وعندما وقعت الشرعية اليمنية عليها، ورفضها تحالف الحوثي وصالح، كان من أوجب واجبات المندوب الأممي أن يحيط مجلس الأمن بالصورة الحقيقية التي تقول إن طرفاً قبل بالوثيقة وآخر رفضها بالرغم من قبوله السابق بها، ما يعني أن تحالف الحوثي وصالح يتلاعب بالمفاوضات ويستخف بالمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن تحت البند السابع برقم 2216. إن تقرير الموفد الأممي كان مطاطاً لزجاً كما هو عهد موظفي الأمم المتحدة المجبولين بإرادة الموظف العام المغلوب على أمره.
ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني ضرورة الفصل بين جهازي الأمانة العامة ومجلس الأمن. الأول لا يمتلك التفويض القانوني بإجبار الانقلابيين وأمراء الحرب. والثاني يمتلك هذا الحق بالذات، ولكن عبر إرادة دولية تضامنية تقودها إحدى الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وقد جرت العادة أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالمبادرة في تطبيق قرارات البند السابع، لكنها الآن ليست في وارد اعتبار الملف اليمني أولوية جيوسياسية، يدفع بها إلى الإسراع في تفعيل قرار مجلس الأمن الخاص بالمسألة اليمنية. ذلك يعني تماماً أن إرادة الحل بيد اليمنيين أولاً، وثانياً، وثالثاً، وأن التحالف العربي والتضامن الدولي الواسع يمنحان الشرعية اليمنية فرصة مثالية لتباشر دوراً أكثر راديكالية في الميدان، وعلى المستويات كافة، خاصة وقد ثبت للمرة الألف أن تحالف الحوثي وصالح لم يستوعب دروس الحرب، وليس في وارد الانصياع للعقل والحكمة.