تابعت مثل غيري من متابعي الاعلامي اليمني، حملت الشيطنة الصاخبة التي شنتها مطابخ الاخوان الاعلامية على شخص الاستاذ خالد بحاح، بدأ من اجتزائهم لجزء من سياقه في تسجيل لقاء مع نخبة الجالية في برلين، وصولا الى مقتطفات من مقابلته مع قناة الـ BBC عربية والتي ستبث كاملة مساء اليوم الاحد ..
ولاحظت كما لاحظ غيري من المتابعين المستقلين، كيف تعمل المكنة الاعلامية السياسية واساليبها التي باتت واضحة وجلية..
لست هنا في محل التبرير لاحد، بقدر ما اشير لسياسة اعلامية رديئة شاركت وما تزال تشارك في صنع المأساة ..
في المرة الأولى قام الاعلام المسيس باجتزاء دقيقة واحدة من تسجيل مدته 38 دقيقة، واخرجوا الحديث من سياقه، وشهدت بعيني كيف عملوا على استغفال الناس الذين للأسف اغلبهم لم يستمع للتسجيل الكامل..
كان بحاح في التسجيل الطويل يرد على احد الاسئلة حول ماحدث في 2011م واشار في حديثه لثقافة تداول السلطة في اليمن، وكيف ان المؤسسات الرئاسية المتعاقبة تشيطن بعضها، واستشهد بما حدث في عام 2011م .. اجتزأ اعلام الاخوان منها فقط جزأية (لماذا شيطنا صالح في 2011؟ لو تعاملنا معه بحكمة وسياسة وحيدناه جانبا لكان أفضل من وصول الحال الى ما هو عليه الان). واستخدم بحاح في موضع آخر من التسجيل جملة ( كرمه وحيده جانبا ) بدلا من ادخال البلاد في مواجهة، الخاسر الاكبر منها هو الشعب .. لقد صدق بحاح، فيما قاله عن نزعة الشيطنة المتغلغلة في الوسط السياسي اليمني واعلامه الموبوء، فعلى الفور تعاطي الاعلام الحزبي مع تصريحه بشكل سلبي جدا، ونشطت النزعة الشيطانية لديهم، واخرجوا مقطع ممنتج مدته دقيقة من اصل 38، وبنوا عليه حملة مؤسفة غرضها شيطنة بحاح وقالوا بأنه يدعوا لتكريم صالح، وللأسف مجتمع القراء المغلوب على أمره تلقفها بخفه وسطحية كما تعودوا منه.
وفي المرة الثانية وبعد ان نشرت قناة الـ BBC مقطع دعائي من مقابلة بحاح التي ستبث الأحد، تناولوا المقطع ايضا بسلبية مفرطة، ففي المقطع قال بحاح: أنا احترم علي صالح كـ (رئيس سابق)، وكما احترم هادي حاليا وسأحترمه ايضا بعد اسابيع او أشهر عندما يصبح رئيس سابق)، ومعنى حديث بحاح ان احترامه لصالح مشروط بالتزامه بموقعه كرئيس سابق، وفيها معنى ضمني انني لن احترمه في حال خرج من هذا الاطار .. واستشهد بحاح قائلا.. كما انني سأحترم هادي في حال اصبح رئيس سابق سواء بعد اسابيع او اشهر ..
ومرة أخرى نشطت موهبة الشيطنة عند الاعلام الحزبي وخرجوا بمانشتات تقول ( بحاح يتنبأ برحيل هادي ) ! وكأنهم لم يستوعبوا بعد ان عصر الرئاسات الماراثونية لعقود وعصور طويلة قد ولى الى غير رجعة! نعم هادي سيرحل بعد اسابيع او شهور .. واستخدام "اسابيع او شهور" لا يعني فترة محددة! ربما عام او اكثر من عام وربما اقل من ذلك، هذا كله مرهون بكم سيستغرق هادي ليفهم كما فهم خصومه في مسقط.. ان الخارطة الأممية ليست خيار، وأن نتائج الانتخابات الامريكية قد أذنت بعصر جديد مختلف عن سابقه، وفي يناير 2017م هناك بلدوزر سيحل في البيت الابيض.
المضحك ان هذا الاعلام المسيس يتحدث بأريحية، وكأننا قد نسينا ان حزب الاصلاح وهادي كلاهما قد ذهب الى ما هو ابعد من ( تكريم وتحييد ) صالح، فلم ننسى بعد وثيقة الحصانة القضائية لصالح وقائمة من الفاسدين معه التي مررها البرلمان بموافقة جميع الكتل، ولم ننسى ايضا زيارات صعده الحميمة، ونسمع يوميا تصريحاتهم يتحدثون عن حكومة شراكة لا تقصي احدا .. وتساؤلي هنا لمن يقف خلف هذه المكنة الاعلامية.. هل انتم متضررون من انقلاب صالح على الشرعية ام من دعوات بحاح للسلام ؟ وطالما تناهضون مساعي السلام .. فما هو البديل لديكم ؟ الحرب ؟ الى متى؟
فقد قدم التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الكثير لاستعادة الشرعية، والكثير أيضا في الجانب الدبلوماسي الدولي، وأكثر من الكثير في الجانب الاغاثي والإنساني، وقد انهزم الانقلاب في المحافظات التي اتاحت بيئتها الاجتماعية انتصارا للتحالف، مثل عدن وحضرموت ولحج والضالع وابين وشبوة وأجزاء من مأرب والجوف، لكن على ما يبدوا ان الرمال المتحركة في بقية المحافظات الشمالية ستظل عائق أمام المساعي المخلصة لدول الإقليم.
في الحقيقة لست هنا في محل تبرير للأستاذ بحاح، فالرجل مواقفه واضحة عمل مع التحالف العربي جنبا الى جنب، وواجه الانقلاب على الشرعية، وحقق انتصارات، وله أيضا أخطاء كغيره، ولكنني اشير لثقافة سلبية في التعاطي الاعلامي اليمني مع الاحداث، هذه الثقافة التي اسماها بحاح "ثقافة الشيطنة" هي التي تسببت كثيرا في تدهور الاوضاع وهي سبب في افشال كل مساعي السلام وهي الغطاء الوافي لكل فاسد وفاشل يمتلك المال، فالإعلام سلاح ذو حدين ان استخدم بطريقة ايجابية كان عونا للمخلصين، وان اسيئ استخدامه كان وبال على الأمم واستقرار الأوطان.
ومن هنا ادعوا الإعلاميين للنأي بأنفسهم من براثن التسييس، والانحياز لوطنهم وانسانه، وان يرتقوا بالإعلام للمستوى المأمول لمواكبة جهود التحالف العربي والمخلصين ممن نذروا أنفسهم لاستعادة مسار سياسي يأخذ الانسان الى مستوى مقبول من الحياة الكريمة .