السيد عبدالله بن محفوظ الحداد، رحمة الله عليه.
في ثاني أيام عيدي الفطر و الأضحى من كل عام نكون على موعد صباحي مختلف، اعتدناه منذ أن كنا أطفالا يصطحبنا الكبار معهم في بهجة "العواد"، ذلك الطقس الاجتماعي الجميل الذي يعمق أواصر المحبة والألفة بين أهالي وادي عمر .
في القويرة بالديس الشرقية حيث يقع بيت آل حداد كان ينور "الضيقة" رجل كان إذا تحدث أنصت الجميع، بشوش لطيف يخاطب معاوديه بمحبة مبتسما، مضفيا على تلك اللحظات عيدا خاصا، ذلكم هو السيد عبدالله بن محفوظ الحداد، رحمة الله عليه.
كنت من أكثر أقراني التزاما بالعواد، وكان حرصي أكثر على أن اتخذ مكانا اقرب نسبيا اليه كيما أصغي إلى ما يقول. فهو مختلف جدا سمتا ومنطقا، وإذ يؤتى بالمقطرة ( المبخرة) ويرتب الفاتحة، كان يداخلني شعور مزدوج: احب فاتحته المميزة التي يرددها بصوته الجميل، لكن الفاتحة تعني أن جلسة العواد انتهت، ولا موعد إلا في العيد التالي. ( ثم بعد عقدين من الزمان صار يسأل المعادين عني ان اعاقني طارئ ما عن يوم العواد المخصص).
وتمضي السنون،
فإذا استزادتي من المكث مصغيا إليه تتحقق إذ أصبحت تلميذا له في كلية التربية بالمكلا، فعنه تلقيت و زملائي معرفة أصيلة بالنحو العربي، ميسرة كمنهجه في الحياة والعلم، إذ لم يكن أستاذا محاضرا حسب، وانما كان عالما بأسرار اللغة ونحوها وله مباحث أصيلة في الدرس النحوي.
وكان مرحا يجري النكتة على لسانه كلما رأى في مسألة نحوية ما جفافا، وكنا نراه -بنين وبنات- جدا وابا وشيخا واستاذا وصديقا أيضا.
ثم كان من حسن حظي أن صرت زميلا له في قسم اللغة العربية، فازددت معرفة به معلما وقدوة، كأن الله يعوضني بذلك عما فات من سنوات وشهور فاصلة بين عيدي الفطر و الأضحى.
و اذكر انه والأستاذ عمر محفوظ باني رئيس القسم حينئذ اجريا المقابلة العلمية معي عندما تقدمت للإعادة، ولم تكن أسئلته لاستظهار معلوماتي الدراسية، ولكنها كانت لزيادة القدرة والفطنة، تبرئة للذمة.
ولعل من طريف صلتي به أن كان مرشدي لصعود المنبر خطيبا للجمعة و العيدين في "الغريفة" لسنوات متوالية حتى 1994، فقد علمني آداب الخطابة واساليبها، وأسرار الخطبة المؤثرة، وكيفية اختيار موضوعها. وأذكر أنني في البدء كنت اترسم خطاه، ثم شيئا فشيئا صرت انشيء خطبا خاصة، لكن ميسم السيد عبدالله ظل بارزا في مواضع معلومة.
( ثمة تفاااااصيل لا يتسع لها هذا الحيز ).
لكن،
في هذا العيد الذي استهدف مرقده الذين لا يعلمون، ما لهذا العلم، الإنسان، العالم، الورع، الزاهد، الجسور في قول كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم
في هذا العيد اقول له:
سلاما عليك يا ابا محمد،
فقد - والله - كنت في حياتنا معنى خاصا لوجودنا، وكانت - ومازالت - سيرتك الخضراء وعلمك شجرتين يستظل بهما الناس ويقطفون من ثمارهما الطيبات، إلى ما يشاء الله.
* بقلم : د سعيد سالم الجريري - أكاديمي وباحث سياسي حضرمي مقيم في المنفى
* شبوه برس = قبر السيد صاحب السيرة الحداد تم هدم شواهده وتسويته بالأرض منذ يومين في مقبرة الشيخ يعقوب بمدينة المكلا من قبل العناصر التكفيرية من تنظيم القاعدة شمل التهديم والتسوية قبور عدد من علماء حضرموت الكبار وسلاطينها ووزرائها وأبرزهم داعي الوحدة الحضرمية مطلع القرن الماضي الحبيب الزعيم حسين بن حامد المحضار رحمهم الله جميعا .