الانفصال خيار أم ضرورة ملحة؟

2025-06-28 21:18
الانفصال خيار أم ضرورة ملحة؟

إ. سعيد ناصر مجلبع بن فريد العولقي

 

في عام 1990، ذهب أبناء الجنوب إلى الوحدة اليمنية بقلوبٍ مفتوحة ونوايا صادقة، مؤمنين أن وحدة الشعبين هي الخطوة الطبيعية نحو بناء يمنٍ قويٍ ومزدهر، يسوده العدل والمساواة. لم تكن الوحدة بالنسبة لنا مغنماً سياسياً أو مناورة ظرفية، بل كانت خيارًا استراتيجيًا نابعًا من قناعة راسخة بوحدة الأرض والإنسان والتاريخ.

 

لكن ما حدث بعد إعلان الوحدة لم يكن كما حلمنا به ولا كما وُعِدنا به. فقد تحولت الوحدة إلى مشروع ضمٍّ وإلحاقٍ قسري، تكرّست فيه هيمنة القوى المتنفذة في صنعاء على مقدرات الجنوب، وتحوّلت المؤسسات إلى أدوات تهميش وإقصاء، واستُبيحت الأراضي والثروات، وسُرح الآلاف من الكوادر الجنوبية، وأُقصيت كل طاقات الجنوب من المشاركة الحقيقية في إدارة الدولة.

 

أمام هذا الواقع المؤلم، لم يكن مستغربًا أن تنمو في الجنوب مشاعر الغُبن، وتعلو الأصوات المطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية. وهو مطلب لا يُعدّ خروجًا عن القانون أو شذوذًا عن منطق التاريخ، بل هو استجابة طبيعية لمعادلة ظالمة طُمست فيها هوية الجنوب، وهمّشت فيها إرادة أبنائه.

 

الانفصال ليس بدعة جنوبية، بل هو خيار اتخذته شعوبٌ عدة حول العالم حين استُنفدت سبل التعايش وأُغلقت أبواب العدالة. سنغافورة انفصلت عن ماليزيا عام 1965 لتبني دولة ناجحة مزدهرة. إريتريا نالت استقلالها عن إثيوبيا بعد نضال طويل. البوسنة والهرسك خرجت من عباءة يوغوسلافيا. باكستان انفصلت عن الهند، ثم انفصلت بنغلاديش عن باكستان. كلها تجارب انفصال لم تكن ترفًا، بل ضرورة من أجل كرامة الشعوب وحريتها.

 

فهل نُلام نحن أبناء الجنوب إذا طالبنا بحقنا في استعادة دولتنا؟ وهل يُعد الانفصال جريمة إذا كان طريقًا إلى حفظ الكرامة وبناء دولة عادلة لكل مواطنيها؟

 

إن دعوة الجنوبيين اليوم للانفصال ليست دعوة للتمزق أو الفوضى، بل دعوة للسلام العادل، واستعادة الحق، وتصحيح المسار الذي انحرف منذ زمن طويل. فالوحدة التي تقوم على القهر لا تُبنى عليها الأوطان، والوطن الذي لا يضمن العدالة لا يُطلب من شعبه الصبر الأبدي على الظلم.

 

قد تكون الوحدة خيارًا نبيلًا في الأصل، لكن حين تتحول إلى أداة استبداد، يصبح الانفصال ضرورة ملحة.