الإشاعة تنهك وطنا

2015-03-04 17:09

 

الإشاعة السياسية هي إحدى الأساليب الشائعة للحرب النفسية والمستعملة من أطراف رجال السياسة، نظرا لما لها من قدرة على التحكم في السلوك الإنساني من جهة، ومن جهة ثانية قوتها في التأثير على الجزء المستهدف من الإنسان وهو العقل، وهي نشر وترويج أخبار ومعلومات، سواء أكانت صحيحة أم كاذبة، هدفها الحصول على نتائج تتوافق والأهداف المرسومة لها، وتشارك في تحديد معالمها وسائل الإعلام المختلفة، التي تساهم في تشكيل عقول الجماهير وتوجيهها وحمل الأفراد على تحديد مواقفهم من أطراف القضايا السياسية أو الصراعات المختلفة.

 

ونحن في اليمن نعيش حرب الإشاعات، حرب لها تأثيراتها في خلق حراك شعبي وسياسي وتغيير حركته لما يخدم مصالح القوى السياسية التي تقف ضد التغيير وبناء الدولة المنشودة.

 

كتبت مقالا منذ فترة وجيزة، وقلت هناك قوى في الشمال تدير الحراك في الجنوب من حيث لا يعلم، كان يصرح حميد أو صالح وأمثالهم بهدف التأثير بالجنوب سلبا أو إيجابا، واليوم هناك قوى في الشمال لازالت ترسل رسائل للجنوبيين لهدف في نفسها، وتبيعهم إشاعات ومناكفات ودعايات وهم يأكلون الطعم وينشرونها ويتداولونها حتى يصدقها البعض فتؤثر على مواقفه ويبني مواقف عليها، وهنا يكونون وصلوا لمبتغاهم.

 

وذلك سبب من أسباب الفرقة والتمزق في الصف، وللأسف لم يستوعبوا أن القوى هي ذاتها والعقلية نفسها بل يتداولون الأدوار، لهذا بعضنا يتناولون الطعم بسذاجة ويبثون فينا الفتن والسموم حتى ننهك، فنكون طعما سهلا ومضغه يتم بسهولة.

 

من الأحداث التي عشناها وتفاعلنا معها نستنتج أن هذا البلد فيه الإشاعة مؤثرة وفعالة وكانت وسيلة من وسائل الصراع القائم، وخاصة لدى بعض الأحزاب التي تملك الإعلام والمال، وقد لعب الإعلام دورا سلبيا في نشر الإشاعة وتأثيرها على الساحة السياسية وجعلها مصدرا من مصادر خلق المواقف تبث الإشاعة ويروج لها فيتداولونها ثم يصدقونها ويبنون عليها مواقف فتكون قد أدت هدفها، إلى هذا اليوم وتلك الأحزاب تبث إشاعاتها لتصنع مواقف تؤثر على سير الأحداث لخدمتها.

 

وما أشبه اليوم بالبارحة، لازالت الإشاعة تخدم أطراف الصراع في الشمال والجنوب، وهي اليوم سلاحهم ضد الجنوب لتمزيق وحدته واصطفافه والمحافظة على بقائه تائها ممزقا بين أكثر من توجه ورؤية، يبثون فيه الإشاعات كالحديث عن توافد شخصيات مرفوضة لدى الجنوبيين كالزنداني وعلي محسن وأمثالهم إلى عدن وارتهان القيادة للخارج، الهدف من ذلك تحريض ضد الأخ الرئيس، وأيضا خلق انشقاق في الصف الجنوبي لإضعاف التصدي للمد الحوثي الذي يهدد اليوم باجتياح الجنوب.

 

كانت القوى السياسية في الحوار تتوافق وتوقع على توافقها، ولتتنصل تبث إشاعات مغرضة لتنقلب على اتفاقها، وهكذا استمروا يوقعون ويتنصلون، والإشاعة وسيلتهم لتبرير مواقفهم المخزية وأرادوا التخلص نهائيا من الاتفاقيات فاستعانوا بالحوثي لينقضوا على البلد مستخدمين الإشاعات، ووجد أناسا يستمعون للإشاعة ويصدقونها بل يرددونها لا يسألون ولا يبحثون عن الحقيقة، فبثوا إشاعاتهم ضد القوى الشرعية ليبرروا لأنفسهم الانقلاب عليها.

 

وآخر خطاب لقائدهم الثوري خطاب كله إشاعات وتهديد ووعيد واتهامات ضد الآخرين، خطاب يرفض شراكة الآخر كما هو بل يريده شريكا بمعياره أو كما يريده هو، وتلك هي معضلة عدم التوافق لأنه لا حوار صادقا في غياب الحرية والشفافية والمصداقية، بل يحاور ويضغط حتى يصل لمطالب لا علاقة لها بما يعلنه كمشروع بل يبحث عن نصيب في السلطة والوظيفة العامة خارج أسس ومعايير العمل، والمصيبة الكبرى أنه يختار ممثليه لشغل تلك الوظائف كعائلات بألقاب معينة، ومن مذهب وطائفة معينة، لا رؤية وطنية لديهم، لهذا الإشاعة هي سلاحهم ورمي التهم جزافا، ومبدأ “فرق تسد” مبدؤهم في التعامل مع المناطق التي لا تأثير لهم فيها بمبرر محاربة الإرهاب والفساد، وهم يمارسونه واقعا.

 

ما يحدث اليوم أننا نستبدل شيخا بسيد وتسلط أسر بأسر أخرى، ولن يتحرر اليمن من الارتهان للخارج والداخل معا ما لم نتحرر نحن أولا من البحث عن سادة وشيوخ وزعماء نعبدهم يطلون علينا من حين إلى آخر يرددون عبارات ليشحنونا بأفكار ورؤى ونحن نردد بعدهم كالببغاء ثم نتذكر مقولاتهم ونستمر نرددها دون وعي بل نصنع منها حكايات ومقولات وعبارات عظيمة وكأنها اكتشافات جبارة بينما هي معروفة لدينا وندركها جيدا.. فأين نحن من صنع الأحداث والفعل وتغيير الواقع المرفوض والأسطوانة القديمة والمشروخة من قبل جماهير ثورة فبراير؟.. لماذا تكرر اليوم؟، هل يعني ذلك أننا لم نتحرر بعد؟!.