في تاريخ حضرموت السياسي تعددت مشاريع الهيمنة الاستعمارية على حضرموت وبلغت ذروتها في محاولاتها لطمسها سياسيا وجغرافيا من الوجود وإذابتها في مكونات سياسية أخرى على مدى تاريخ نشأتها وحتى اليوم .
ما يحدث لهذه الجغرافيا السياسية في خارطة جنوب الجزيرة العربية من استهداف هو دليل على أنها تتمتع بمزايا تقلق الجوار في كينونتها ومدى قدرتها الحضارية في تكوين مشروع حضاري مدني لدولة مركزية قائمة على عصب اقتصادي حيوي كما هي عقلية الحضرمي المدنية ونزوعه فطريا للنشاط التجاري وهو ماتميز به منذ أمد .
حضرموت للتذكير القرائي التاريخي لم تشهد هجمة استعمارية شرسة منذ ما قبل خمسة آلاف سنة كما تشهده اليوم فهي تعتمد على استراتيجية ( الأرض المحروقة ) بكل ما تحمله من نزعة إنتقامية عنصرية في تنفيذها منذ مطالع القرن العشرين في حالة من حالات إنهاء دورها النهضوي الحضاري المدني وبناء دولة مركزية قوية تحقق دعائمه الاقتصاد القوي والتسامح الاسلامي المنتمي للمدرسة الوسطية الحضرمية .
هذا الاستهداف الممنهج والخطير التي تمر به حضرموت في أحلك ظروفها اليوم لهو دليل على مرامي لم ينلها المحتل منذ أمد والتي يستوجب معها التحذير لها وهي في مكنونها ضرب العمق الحضاري للأمة العربية والاسلامية وربط ذلك مع ما يحدث في بلاد الرافدين وبلاد الشام .
لعل التاريخ يعيد نفسه في سلسلة أحداث متوالية يتأملها الحصيف والمتابع لما يحدث اليوم على أرض حضرموت بكل تداعياته وما تضخه الآلة الاستعمارية من مراكز بحوثها ودراساتها من مشاريع قذرة تستهدف الأمة العربية في إسلامها بعقر دارها وهو ما يفضي بنا الى توخي الدقة في التعامل مع معطيات الأحداث بكل جوانبها والتناول الدقيق لها بوصفها مشاريع وافدة لاعلاقة لها بمستوى الخلافات الداخلية البينية المنغلقة الا بما هو مرسوم لقادتها لتنفيذه بوعي أو بغير وعي وفق معطى المشروع الاستعماري العريض للمنطقة برمتها وإعادة ترتيبها على قاعدة فرض الهيمنة من جديد عليها .
من هذا المنطلق وبهذه النظرة القرائية للأحداث يتوجب على الجميع أخذ الحذر والحيطة بما يتطلب معه وعي مجتمعي تكاملي يستنهض كل قوى المجتمع نحو إفشال هذه المخططات الرامية الى ضرب العمق الحضاري المدني وما تبقى له من أرث في الأمة التي تكون حضرموت بمثابة التربة الخصبة للإنبات والرعاية .
إن الإفصاح عن تدمير ما تبقى من بنى حضارية مادية شاهدة على تاريخ الإنسان الحضرمي هي محاولة بائسة لطمس (هولاكي) من طراز جديد لحضرموت بكل ما تحمله من مكون وأرث يشهد على قدرتها الحضارية الخالدة وليس خير شاهد على ذلك بقاء أسمها الذي يؤرق هؤلاء وكان ومازال في كونه مصدر إقلاق لهم على مر العصور والأزمنة .
اليوم حضرموت أمام تحدي جديد في مواجهة هذه المؤامرة بكل عناوينها ويافطاتها التي تتخفى خلفها وهو تحتاج الى جهد وتضحيات رجالها بالداخل والخارج لرص صفوفهم وتفويت الفرصة الأخير لرهان هؤلاء مشتركين في اختطافها من جديد واستكمال مشروع طمسها التاريخي الحضاري التليد الذي لطالما أرق الجميع بشخصية الحضرمي في الداخل وبالمهاجر التي هاجر إليها الذي كان له الفضل في التجديد للمشروع الإسلامي التنويري على مستوى العالم بأسره وهو لب وسر هذا الإستهداف الذي وعاه إبنها الحضرمي علي أحمد باكثير منذ أمد فهل نعي نحن ذلك اليوم ونجدد هذا المشروع وننتصر لديننا ووطننا ..؟؟!!