الجنوب لا يموت.. لكنه ينتظر من يعيده إلى الطريق الصحيح.
*- شبوة برس - لطفي الداحمة
كانت القضية الجنوبية قبل "اتفاق الرياض" في ذروة قوتها، سياسياً وعسكرياً وشعبياً، جيش جنوبي متماسك خاض معارك التحرير من باب المندب حتى شبوة، وحاضنة جماهيرية واسعة آمنت بعدالة قضيتها ووقفت خلفها بثبات، في تلك المرحلة، امتلك المجلس الانتقالي الجنوبي زمام المبادرة، وأصبح يمثل الأمل لآلاف المقاتلين الذين رأوا فيه نواة الدولة المنتظرة بعد سنوات من النضال والتضحيات.
لكن مرحلة ما بعد الاتفاق حملت تحولات عميقة، الاتفاق الذي قدم كخطوة نحو الاستقرار، تحول إلى قيد سياسي كبل القرار الجنوبي، وأوقف زخم القوات في معسكرات الانتظار، وأدخلها في دائرة الصراع البارد بدل الحسم الميداني، تقلص النفوذ الميداني لصالح التوازنات الإقليمية، وتراجعت الروح الثورية أمام تعقيدات العمل السياسي المشترك.
شعبياً، بدأت الثقة تتآكل تدريجياً، المواطن الذي رأى في الانتقالي مظلة الخلاص، وجد نفسه محاصراً بأزمات المعيشة وانقطاع الخدمات، الخطاب السياسي ابتعد عن لغة الناس واتجه إلى لغة البيانات والتبريرات، ومع ضعف الأداء الإداري وتغلغل الفساد داخل بعض المؤسسات، فقد المشروع الجنوبي شيئاً من بريقه ومصداقيته.
ورغم هذا الواقع، تظل القضية الجنوبية حاضرة في وجدان الشارع، تنتظر قيادة تعيد وصل ما انقطع بين القوة والإرادة، وبين الشارع وصانع القرار، فما ضاع في دهاليز السياسة يمكن استعادته بالإصلاح الجاد، وبالعودة إلى روح الحراك الأولى، صدق الموقف، وعدالة القضية، ووضوح الهدف.
الجنوب ما زال يملك طاقات بشرية وعسكرية هائلة، لكنه بحاجة إلى بوصلة تعيد ترتيب الأولويات، وتوجه الجهود نحو البناء لا الصراع، القضية التي انتصرت بالبندقية، لن يحميها اليوم إلا الوعي والإدارة الرشيدة، وإرادة لا تساوم على الحق.