في ظل عجزٍ مستمر، وواقعٍ يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، تتصاعد التساؤلات في الشارع الجنوبي حول مصير الدولة، وحول ما إذا كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي سيجرؤ يومًا على إعلان الحقيقة المرة... فشل الدولة.
تبدو الصورة في اليمن اليوم أكثر ضبابية من أي وقت مضى، وسط عجزٍ واضح لمؤسسات الدولة عن القيام بواجباتها، وتعدد مراكز القرار، وتفاقم الأزمات الخدمية والمعيشية. وبينما يتطلع المواطن إلى حلولٍ واقعية، يتسع المشهد تعقيدًا مع بروز كيانات عسكرية متفرقة، كلٌ منها يعمل بمعزلٍ عن الآخر، ما يعمّق من حالة الانقسام ويضعف سلطة الدولة أكثر فأكثر.
ففي العاصمة عدن، تغرق الأحياء في الظلام الدامس، وتُطوى الأشهر تلو الأخرى دون صرفٍ للرواتب، بينما تنهش الأسعار قوت المواطن وتلتهم ما تبقّى من قدرته على الصبر. المؤسسات متوقفة، والخدمات غائبة، والفساد ينخر في جسد الدولة حتى بات الحديث عن الإصلاح ضربًا من الخيال. ومع كل هذا، لا يُسمع من القيادة سوى بيانات خجولة لا تلامس جوهر الأزمة ولا تقدّم حلولًا حقيقية.
ومع غياب الدولة، بدأت تظهر تشكيلات عسكرية متفرقة تحت مسميات متعددة. ففي حضرموت، نرى ما يُعرف بـ"قوات بن حبريش" التي تعمل في مسارٍ خاص، وفي محافظة لحج برز ما يسمى بـ"المقاومة الجنوبية" بقيادة أمجد خالد، في مشهدٍ يعبّر عن غياب القيادة المركزية وضعف سلطة القرار. هذه التشكيلات وإن كانت تحمل شعارات وطنية في ظاهرها، إلا أن انتشارها العشوائي خارج الإطار الرسمي يُنذر بخطر تفكك ما تبقّى من هيبة الدولة.
لقد فشل مجلس القيادة الرئاسي في توحيد القرار العسكري والأمني، بل ترك الساحة لكل طرفٍ ليشكّل قواته وفق مصالحه ورؤاه، مما جعل الجنوب ساحة مفتوحة للتجاذبات والصراعات الخفية. وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن إصلاح الكهرباء والمياه ودفع الرواتب، يجد أن كل ما يحدث على الأرض لا علاقة له بمعاناته اليومية، بل يزيدها سوءًا.
إن إعلان فشل الدولة لم يعد مجرد تساؤل أو تحليل سياسي، بل أصبح واقعًا يعيشه المواطن في تفاصيل حياته اليومية. الدولة الحقيقية هي التي توفر الأمن والخدمات والعدالة، أما حين تغيب كل تلك المقومات، وتتحول مؤسساتها إلى ديكورٍ إداري عاجز، فإن الفشل يصبح أمرًا واقعًا لا يحتاج إلى إعلان رسمي.
ولقد آن الأوان — بعد كل هذه السنوات من الوعود والعجز — أن تعود الحقوق لأهل الجنوب، وأن يُمنح الشعب الجنوبي حقه المشروع في تقرير مصيره واختيار مستقبله السياسي بما يراه مناسبًا. فالوحدة التي تحولت إلى عبءٍ ومعاناة لم تعد خيارًا مقبولًا، والجنوب الذي قدّم التضحيات الجسام لن يقبل أن يبقى رهينة لفشل الدولة اليمنية أو صراعاتها الداخلية.
وعلى أبناء الجنوب اليوم أن يدركوا أن مسؤولية استعادة حقوقهم ليست مسؤولية قيادة أو فئة بعينها، بل مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل جنوبي غيور على أرضه وهويته ومستقبله. فالاتحاد والتكاتف هو السبيل الوحيد لانتزاع الحق وبناء مستقبلٍ كريمٍ يليق بتضحيات الأجيال.