استحوذت عملية تحرير حضرموت على اهتمام المجتمع الدولي بأسره، مما جعل تحليلها بالغ الأهمية لفهم الوضع في اليمن وتداعياته على البلاد وللتنبؤ الدقيق بالتطورات المستقبلية .
استغل بعض الإعلاميين والنخب اليمنية الفاشلة موضوع تحرير حضرموت وحاولوا تصوير قوات المجلس الانتقالي بتحركها باتجاه الشرق قد خلقت وضعًا معقدًا بين السعودية والإمارات وحتى على مستوى النُخب وقاموا بترويج دعاية بوجود خلافات، متناسين أن الرياض وأبوظبي عمومًا صديقتين على مستوى القيادة والنخبة وحليفتين مقربتين، وتنتهجان سياسة متوازنة إلى حد ما في التنسيق بين الطرفين في المصالح والمواقف بما في ذلك في اليمن.
في اليمن منذ اليوم الأول للوحدة، لم تبذل النُخب ولا الحكومات اليمنية أي محاولة لتشكيل أو حتى البدء في تشكيل أمة موحدة، بل على العكس نخبة اليمن حولت الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام والإصلاح إلى تنافس في غضون سنوات قليلة من انتصارهما على الحزب الاشتراكي اليمني في حرب 1994 والتي معها بدأت بوادر فشل الوحدة بالظهور بسبب فرضها بقوة السلاح وزيادة الشذوذ السياسي والتناقضات وصراع المصالح والسلطة والثروات وعسكرة الميزانية.
تجلّت عواقب صراع النخب وانقساماتها في الجنوب والشمال في مفهوم "الهوية " والسيطرة على الموارد حيث تعتبر المناطق الجنوبية " الشرقية " في المقام الأول مناطق مانحة لبقية البلاد نظرًا لوجود الثروات الرئيسية فيها، أما السبب الثاني فهو العامل الثقافي والتاريخي.
بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في الشمال أصبحت محافظة حضرموت ممرًا ومرتعًا لتهريب الأسلحة والمخدرات الإيرانية للحوثيين وأرضًا خصبة للجماعات المتطرفة على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، الأمر الذي دفع الجنوبيين للقول على لسان الانتقالي بأن جميع الخيارات المطروحة في السنوات الأخيرة لاستعادة الاستقرار في وادي حضرموت قد استُنفدت.
عملية "المستقبل الواعد" قامت بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من حضرموت بسبب الأدلة التي تم ضبطها حول دورها غير الوطني وقيام جنودها بالمشاركة في عمليات دموية وتخريبية مشتركة مع التنظيمات الإرهابية في الجنوب والتحكم بموارد النفط لتمويل الإرهاب في اليمن وخارجها.
إن خطوة الانتقالي في تحرير حضرموت لا تعني فقط استعادة المحافظة وضبط إيقاعها جنوبيًّا بل ميزة عسكرية استراتيجية في شرق البلاد لا تخدم طرف من أطراف التحالف العربي على حساب الآخر، لكنها بالتأكيد سوف تقضي على التنظيمات الإرهابية وتُفسد خطوط الإمداد والتهريب من بحر العرب والمهرة ووادي حضرموت إلى الحوثيين وهذا سيُضعف موقف الحوثيين ميدانيًا ويُحرج إيران دوليًا، خاصة بعد تقارير عن تورطها في تهريب الأسلحة التي تُستغل ضد المناطق اليمنية المحررة ودول الخليج والممرات المائية الدولية.
إذا استقرت حضرموت تحت سلطة جنوبية موحدة، قد تبدأ بعض الدول في إعادة تقييم رؤيتها لوحدة اليمن، والعملية قد تُعيد إحياء النقاش الدولي حول قيام دولتين خصوصًا بعد فشل كل محاولات إعادة بناء الدولة الموحدة.
*- د. مروان هائل عبدالمولى