وسط نعيق حشود النخب اليمنية التي انبرت من مختلف المدن والبلدان, هذه المجاميع التي يعتلف كل فرد منها شهريا آلاف الدولارات من ثروات الجنوب تحاول التكيف مع صدمة تحرير الجنوب من بقايا الاحتلال اليمني. لقد أفقدهم هذا الحدث توازنهم وهدوءهم وكشف عن زيف ادعاءاتهم التي طالما كانوا يتظاهرون بأنهم ديمقراطيون ومدنيون يحترمون حقوق الجنوبيين. عرفناهم غالبًا ما كانت تنطوي محاولاتهم على تقديم مبادرات تروج لمشاريع الوهم التي لم تصدق ولو لمرة واحدة.
شكل تحرير حضرموت من المجاميع المتطرفة ومليشيات جماعة الاخوان المسلمين الإرهابية نقطة تحول حاسمة في مسيرة الثورة الجنوبية حيث وضع الجنوب على أبواب الاستقلال الفعلي ونشّن آخر مسمار في نعش نظام الاحتلال اليمني. لقد ترك هذا الوضع النخب في مهب الريح بعد أن كانوا ينعمون بالحياة الرفيعة في أرقى أحياء المدن العربية والأجنبية بفضل ثروات الجنوب التي كانت بمثابة بقرة حلوب لهم وحرم منها أهلها طوال العقود الثلاثة الماضية. فمن الوارد أن نراهم يندبون ويولولون محاولين التشبث بأي قشة للنجاة بعد أن تهشمت أشرعة سفينتهم وغرقت.
لم نسمع نواحًا وعويلًا من المواطن اليمني البسيط الذي لم يمثل الجنوب لديه أي قيمة فهم مثلنا مغلوبون على أمرهم ولم يصلهم شيء من ثروات الجنوب التي توزعت فقط بين القيادات العسكرية والقبلية اليمنية وشلل المنافقين من النخب الكاذبة. تلك النخب التي تصارع طواحين الهواء بلا أي جدوى. أصواتهم قد تجاوزها الزمن ونباحهم يذكرني بتلك الجلبة التي حدثت قبل اجتياح الجنوب عام 1994 مع الفرق بين الزمنين. لم يدركوا بعد أن الثورة التحررية الجنوبية التي يزيد عمرها عن ثلاثة عقود قد غيرت وبشكل عميق الوعي الجمعي الجنوبي ليس لدى النخب وحدها بل ولدى المواطن العادي و حملتهم الإعلامية اليوم تعد عبثا لا طائل منه.
لقد وعينا الآن أن الالاعيب التي استمرت طيلة السنوات العشر الماضية منذ معركة التحرير في 2015 وحتى اليوم ناتجة عن قبولنا بالشراكة مع القوى التي ركلها الحوثي خارج صنعاء وَظننا أننا نشاركهم في معركة تحرير العاصمة والقضاء على الانقلاب على الجمهورية. وهذه كانت نفس الخدعة التي انطلت على التحالف العربي. لكننا صحونا اليوم لنكتشف أن هذه القوى وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين وهم العمود الرئيس لما تسمى بالسلطة الشرعية هم مفارز متقدمة لجماعة الحوثي يتخادمون ويتنفسون الهواء والحوثي برئة واحدة. كذلك صارت هذه الجماعة وبما لا يدع مجالا للشك جزءًا من التحالف معهم حيث تجمعهم مصالح مشتركة في اقتسام الجنوب وثرواته وهو عامل يتجاوز كل الاختلافات العقائدية والمذهبية والقبلية والثارات التاريخية بينهم فتلك امور ثانوية في مقابل ادراكهم ان خلافاتهم ستؤدي الى ضياع ثروات الجنوب منهم جميعا.
نحن ندرك جيدًا أن الانتصارات العسكرية وحدها لا تعني شيئًا إذا لم تترجم إلى موقف سياسي فعّال. فتحرير الجنوب من بقايا قوات الاحتلال وجماعة الإخوان الإرهابية يجب أن يُترجم إلى تحرير الجنوب من كافة أشكال الشراكة الوهمية مع هذه القوى المتآمرة. لن نمانع في استمرار دعم جهود تحرير اليمن من الجماعة السلالية الحوثية إن كانوا جادين في ذلك دون الحاجة إلى تسويق مشاريعهم لنا بل ولن نختبر جديتهم في هذا الامر , فليس لنا أي شأن بذلك كما أنه ليس لهم شأن بالجنوب.
*- عبده النقيب