النبش في ماضي الجنوب: بين محاولات التجميل والتجريم

2025-06-27 22:57

 

نقرأ هذه الأيام جم كثير من المقالات التي تحاول نبش الماضي من تاريخ الجنوب السياسي بعد 67، هذا النبش هو محاولات لتبرئة بعض القيادات من أخطاء وجرائم واحداث عشناها ونحن شهود عليها .

وبما ان التاريخ هو (ارشيف الشعوب)، فإن التاريخ السياسي للجنوب منذ 1967 وحتى اليوم يكتب بطريقة مغلوطة وتزييف ممنهج وتجميل وتجريم ومحاولات تبرئة اشخاص مما اقترفوه في حق شعب الجنوب والصاق تهم بآخرين .

سنحاول هنا كتابة بعض الشهادات والآراء التي تعكس جزء من حقيقة ماحدث لأننا لا ندعي انا مطلعين على كل شيء، لكن الخلافات التي حصلت مكشوفة تماما والجميع كانوا يعرفونها قبل وقوع الكوارث.

هنا لا نرغب بشخصنة المقال او التحيز لجهة ما لاننا نقف على مسافة واحدة من كل القيادات التي مرت على الجنوب لكن سنضطر لذكر بعض الأسماء للتوضيح.

- عام (الإستقلال) 1967م:

شهد الوطن العربي في منتصف القرن العشرين زخم الثورات التحررية من الإستعمار، وكان الجنوب العربي تحت الإستعمار البريطاني.

في 30 نوفمبر 67 اعلنت بريطانيا انسحابها من الجنوب العربي و" سلمت "  الجنوب للجبهة القومية التي كانت تعيش نشوة الانتصار على خصومها (جبهة التحرير).. وفي ظل وضع مختلف عما عرف سابقاً والزخم الذي لازم إعلان (الإستقلال) والشباب المتحمس الجديد على السلطة! لابد من حدوث أخطاء جسيمة !! أولها اعلان اسم الجمهورية الجديدة : (جمهورية ((اليمن)) الجنوبية الشعبية)! بحكم انتشار الأفكار القومية في تلك الفترة.

- الإنقلاب الأول

حدث ذلك في يونيو 1969 عندما عصفت الخلافات على المناصب بين الرفاق ووضع الرئيس السابق قحطان الشعبي تحت الإقامة الجبرية.

استلم السلطة التيار اليساري في الجبهة القومية بقيادة (سالمين) واحكم قبضته البوليسية على البلاد وانتهج (العنف الثوري) في تثبيت ما اسموه (مرحلة الثورة الوطنية).

بدأها باصدار قانون التأميم في نوفمبر 1969 والذي بموجبه تم تأميم كافة البنوك والشركات والمحلية و الأجنبية وممتلكات المواطنين من عقارات واراضي زراعية، واصبح الجنوب ملكية خاصة للجبهة القومية ورموزها.

في عام 72 قاموا ب(انتفاضات) اسموها فلاحية ولاعلاقة للفلاحين بها بل جعلوها غطاء لتصفية الشخصيات الاجتماعية ورجال الدين ورموز القبائل وكل من كانوا يعتقدون انه لا يوافقهم على نهجهم هذا. 

اممت الأراضي الزراعية واداوات الزراعة وانشات جمعيات تعاونية على غرار ما يحدث في دول المعسكر الاشتراكي.

- إعدام سالمين:

في 26 يونيو 1978 تم اعدام سالمين في ظروف غامضة بتهمة اشتركوا فيها جميعا وهي (اغتيال رئيس اليمن الشمالي أحمد الغشمي)..

الواقع ان الحزب الاشتراكي الذي هو امتداد لتيارات الجبهة القومية بيمينها ويسارها انقسم إلى مجموعتين احدهما مؤيدة لمعسكر سالمين (الاعتدال او الردة كما اطلقوا عليه).. واخرى مؤيدة لجماعة عبدالفتاح وعلي عنتر ( اليسار .. التطرف الاشتراكي).

هكذا سارت الأمور وتطورت وبدأت التكتلات المناطقية والقبلية تلقي ظلالها بسبب تلك الأحداث حتى وصل الأمر إلى اجهزة الدولة الرسمية وتصفيتها من الخصوم بتهمة مولاة (اليمين الرجعي) بقيادة (المنحرف سالمين)!! واصبحت البلاد في قبضة منطقة او بالتحديد محافظة واحدة (لحج) في ذلك الحين.. سرح آلاف العسكريين  المحسوبين على تيار سالمين من ابين وشبوة وعدن وحضرموت.

لكن الأمر لم يقف هنا لأن علي ناصر محمد (علي مرحبا) واتباعه كانوا في صف (اليسار المتطرف - فتاح وعنتر).

- نفي عبدالفتاح إسماعيل:

في عام 1980 اختلف عبدالفتاح إسماعيل وعلي عنتر ولأن عبدالفتاح لايملك قبيلة في الجنوب فقد تم نفيه الى الإتحاد السوفيتي بموافقة السوفيت أنفسهم وبقي هناك حوالي 5 سنوات لكنه عاد بطلب من عنتر كما قيل بسبب الأوضاع التي لم تكن على مايرام في عدن فقد اختلف اليساريين فيما بينهم و شكلوا فريقين احدهم بقيادة علي ناصر ومناصروه وآخر بقيادة علي عنتر وعبدالفتاح ومناصروهم، هذا الإنقسام استمد حيثياته من احداث يونيو 78 التي اطاحت ب (سالمين) وحدثت كارثة يناير 86.

- احداث 13 يناير 86:

من عادة الأحزاب الشوعية انها تتآكل فيما بينها وان اي اختلاف بين الرفاق يكون الفيصل فيه الرصاص والتصفيات بتهم جاهزة! وكانوا بارعين في الصاقها ببعضهم.

في صبيحة 13 يناير دعي لاجتماع في المكتب السياسي في ذروة الأزمة بين علي ناصر من جهة وعنتر وعبدالفتاح من جهة أخرى، وكان هذا الإجتماع هو فخ نصبه علي ناصر لتصفية خصومه داخل المكتب السياسي وهو ماحدث بالفعل حيث قتل علي عنتر وعلي شائع وصالح مصلح وعلي أسعد مثنى وبقي علي البيض وعبدالفتاح، الا ان عبدالفتاح اختفى في ظروف غامضة لم تكشف الى اليوم ويعتقد انه تمت تصفيته.

في اليومين الأولين سيطر علي ناصر وانصاره على الوضع في عدن، لكن كانت القوات المسلحة في قبضة انصار علي عنتر ولذلك لم يطل انتصار علي ناصر بعدما تقدمت الدبابات بقيادة هيثم قاسم وحسمت المعركة لصالح انصار عنتر والبيض.

مرة اخرى انقسم الحزب الاشتراكي الى (زمرة) هاربة في صنعاء بقيادة علي ناصر ، و (طغمة) حاكمة في عدن بقيادة علي البيض.

كان الحزب يعتمد على الدعم السوفيتي الذي بدأ يضمحل في أواخر الثمانينات حتى ان السوفيت اسمعوا البيض عند زيارة موسكو كلاما مهما ! وهو أن الإتحاد السوفيتي لن يدعم الحزب مجددا وعليهم التصرف وترتيب وضعهم وفق هذا الطرح.

هذه قصة الرفاق واختلافهم منذ اول إنقلاب عام 1969 الى ان وقع البيض ورفاقه على الوحدة مع صنعاء.

هذه قصة الرفاق واختلافهم وتصفياتهم لبعضهم بإختصار.

كلهم اخطأوا وكلهم اجرموا واخر جريمة اقترفها البيض بيع الجنوب لصنعاء تحت مسمى (وحدة) مزيفة ادخلت الجنوب في دوامة من الحروب والاحتلال توجها انقلاب الحوثي الذي تسبب في تدهور الحياة بشكل مريع في الجنوب بعد أن فتح الباب للتدخلات الأجنبية محاولا فرض مشروع (ايران) في اليمن.

بجملة أخيرة : كل مصائب وكوارث الجنوب سببها الرفاق.