قبل البدء في الحديث حول الواقع والتحديات التي تعيق مسيرة الجنوب نحو الاستقلال واستعادة الهوية، يجب أن نحاول فهم الإطار السياسي الإقليمي والدولي الذي يتعامل به في النظر إلى (القضية الجنوبية).
اولا - ما يسمى (الحكومة الشرعية)، يتعامل الإقليم والعالم مع حكومة (الشرعية) كممثل وحيد شرعي لليمن ويندرج هذا تحت (الحكومة المعترف بها دوليا) في كل التصريحات الرسمية لدول العالم وفي الأمم المتحدة.
ثانياً - دول التحالف العربي (السعودية والإمارات) تؤكد في تصريحاتها الرسمية على (الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه!) وأنها تدعم استعادة الشرعية.
أين موقع قضية الجنوب من هذه المواقف؟
لاشك ان الإمارات داعم قوي للمجلس الإنتقالي الجنوبي وهذا شيء معروف، لكن هل تتبنى قضية الجنوب ومطالبة الإنتقالي باستعادة الدولة الجنوبية؟ ليس لدي جواب على هذا السؤال. انما سنحاول تحليل الواقع بين سياسة السعودية والإمارات وعلاقتها بقضية الجنوب.
المعروف ان التحالف العربي أتى من اجل دعم واستعادة الشرعية والقضاء على الانقلاب الحوثي، لكن لكل دولة سياستها وأهدافها للحفاظ على مصالحها ولها ايضا نظرة مختلفة عن الأخرى فيما يخص اليمن.
لكنا لن نبحث في السياسة العامة للتحالف فليس لنا بها شأن. ما يهمنا هو موقفها من القضية الجنوبية وهل تدعم استقلال الجنوب أم لا؟
تختلف سياسة المملكة العربية السعودية عن الإمارات حول اليمن، السعودية تشترك مع اليمن في حدود طويلة يبدأ من ساحل البحر الأحمر (بين الموسم و ميدي) حتى نقطة التقاء الحدود (العمانية اليمنية السعودية) في الربع الخالي، بخلاف الإمارات التي لا تشترك في الحدود مع اليمن.
لهذا السعودية تسعى بأن تكون حدودها الجنوبية مستقرة وأن يكون أي نظام في اليمن على توافق تام معها ولا يشكل أي تهديد لأمنها في المستقبل.
بالمقابل الإمارات لديها مصالح تهتم بها خاصة فيما يتعلق بموقع الجنوب و(عدن) الإستراتيجي المسيطر على طريق التجارة الدولية، ولديها نظرة اقتصادية بعيدة تتعدى مضيق هرمز الذي تسيطر عليه كل من إيران وعمان، لكن البعد الجغرافي يشكل عائق طبيعي تحاول تجاوزه.
التحديات التي تواجه قضية استقلال الجنوب هي التنافس الإقليمي للسيطرة عليه لما له من أهمية استراتيجية مستقبلية.
فالكل يبحث عن موضع قدم لترسيخ تواجده من اجل الحفاظ على مصالحه وأمنه في ظل تسابق دولي للهيمنة على المناطق التي تتحكم في طرق التجارة العالمية.
وإذا نظرنا إلى المعوقات فهي كثيرة منها ماهو دولي متعلق (بأن اليمن دولة واحدة ومن غير الوارد تغيير الوضع السابق في ظل الحرب) وهذا الطرح يأتي في كل الاحاطات في الأمم المتحدة.
ومنها ماهو محلي مثل الوضع الإقتصادي المتردي، وحالة (اللاحرب) التي تعيشها البلاد، والفساد المتضخم، وبعض المكونات الجنوبية التي تم تفريخها مؤخراً، واصحاب المصالح الشخصية، وعدم وضوح الرؤية حول كيفية وضع الجنوب بعد الاستقلال واستعادة الدولة! "البعض متخوف من عودة حكم نظام الحزب الاشتراكي السابق في حلة جديدة ولكن بنفس الأفكار الشمولية والمناطقية السابقة" .
هذه بعض المعوقات الموجودة أمام قضية الجنوب وأمام قيادة المجلس الإنتقالي التي تتبنى استعادة الجنوب واستقلاله.
لذلك فإن من المهم ترتيب البيت الجنوبي والبحث عن نقاط التوافق وتثبيتها واستعادة اللحمة الجنوبية وقبول الآخر على قاعدة (الجنوب لجميع أبناءه) فلا اقصاء ولا مناطقية ولا تهميش.. إذا استطاع المجلس الإنتقالي ترتيب البيت الجنوبي فإنه قادر على تجاوز كل التحديات والمعوقات التي تحول دون استعادة الجنوب أرض وهوية. مالم سيبقى الجنوب وقضيته (مكانك سر) إلى أن يشاء الله.
عبدالله سعيد القروة
23 يناير 2025