نزهة في بستان الأدب
(اهتدت امرأة وضل رجل)
ذكر الأديب اللبناني بشير يموت (توفي 1928) في كتابه "شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام"، ما حدث بين رجل من بني ضَبَّةَ يكنى بأبي حمزة وبين زوجته.
فقد هَجَرَها أبو حمزة - ولا حمزةَ ثَمَّ وإنما هي كُنْيَة - لأنها ولدت بناتٍ ولم تلد بنين. وذات يوم كان قريبًا من خِباء مهجورته، فإذا به يسمعها تُلاعِب إحدى بناتها راجزةً لها:
ما لِأَبي حمزةَ لا يأتينا
يَظَلُّ في البيت الذي يَلِينا
غضبانَ أنْ لا نَلِدَ البَنِينا
تاللهِ ما ذلك في أيدينا
وإنما نُعطِي الذي أُعطِينا
فنحن كالزرع لزارعينا
نُنْبِتُ ما قد زرعوه فينا
فثاب أبو حمزة إلى رشده واهتدى إلى الحقيقة، بعد أن كان ضالًّا عنها بسبب الموروث المجتمعي الجائر.
وقد كان القدماء يكرهون أن يُرزَقُوا بالبنات لأنهن كُنَّ عالة عليهم؛ لا ينفعنهم في غزوٍ ولا تجارةٍ ولا زراعة ولا رَعْي، مع أن المجتمع هو مَن رفض إشراكَهن في ما يُحْسِنّ!!
ونعود للأبيات لنقول:
هنا تتجلى الفطرة الصافية في فهم الأمر الذي جهله الكثيرون من الأزواج حتى في عصرنا هذا، حيث يَرْمُون زوجاتهم اللائي يلدن البنات بأنهن عُقْمٌ من الأبناء، وهذا - واللهِ - ظلم شنيع وجَوْرٌ وفظيع.
فقد أثبت العلم الحديث، أن الحَيْمَن الذكري مكون م ( X) و Y) ) وأن البُيَيضَة الأنثوية مكونة من (x) و (x)
فإذا افترضنا أن الطفل المنتظَر لديه مكانان فارغان؛ فإن الأم تساهم بـ (X) لأن هذا هو ما لديها فقط، أما القرار فيرجع - مجازًا - للأب؛ فإما أن يملأ الفراغ الثاني بـ (X) فيكون الوليد بنتًا، وإما أن يملأه بـ(y ) فيكون الوليد ابنًا. فإن كان هناك - جدلًا- أحدٌ مَلُومٌ على تحديد نوع المولود؛ فهو الأب لا غير.
لذلك، فمن العقل أن يفهم رجل القرن الحادي والعشرين - لا سيما المسلم - أنْ لا يَدَ لزوجته في تحديد جنس الطفل الوليد، بل حتى هو لا يمكنه التحكم في تحديد ذلك، رغم أنه آتٍ من ناحيته.
وعليه أن يتلو قول الحق تبارك وتعالى، بتصديق تامّ وإيمان خالص:
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير) الشورى 49 - 50.
وبالمناسبة، فإن معنى : "يزوجهم" أي يجعل المولودِين ذكورًا وإناثًا، وهذه هي الأحوال الثلاث للولادة كما ذكرت الآية:
1- زوجان رُزِقا إناثًا فقط.
2- زوجان رُزِقَا ذكورًا فقط.
3- زوجان رُزِقا إناثًا وذكورًا، أي إن الله "زَوَّجَ" لهم الولد ولم "يُفْرِدْهُ" جنسًا.
وأختم بدعوة القارئ الكريم إلى التأمل في تقديم الله الإناثَ على الذكور في الآية الكريمة، وكأن في ذلك انتصارًا لهن من ظلم المجتمع، والذي امتد منذ دهور سحيقة حتى اليوم.