لم يتقبل العالم الغربي صور حرب الابادة لغزة فلسطين ، وغرقت شوارع كبريات مدنه و عواصمه في طوفان المتظاهرين المنددين بجرائم الاحتلال ، وشهدت العاصمة الامريكية بقلبها الصهيوني النابض واشنطن اكبر التظاهرات الجماهيرية في تاريخها ، واطبقت الملايين الغاضبة على البيت الابيض ، واطلقوا عليه مالايوصف من التعابير ، والشتائم السياسية ، مما ينذر بقرب انقلابات مزلزلة في سياستها ، وربما في عواصم الغرب بكاملها ، وفقا ومؤشرات الرأي العام الضاغط وبقوة على الحكومات مما اجبر البعض منها على التراجع عن مواقفهم من اسرائيل ، والاعتراف صراحة بفضاعة الجرائم المرتكبة بحق غزة ، والمطالبة بضرورة ايقاف الحرب عليها .
وتأتي في السياق تواتر المواقف والمتغيرات فيها منذ انعقاد قمة السبع في طوكيو الاسبوع الماضي ، والاعلان المفاجئ لوزير خارجية امريكا المعروف بمواقفه المتشددة من الحرب ، وصاحب اول زيارة للقدس بعد اندلاعها ، ومقولة انني مواطن يهودي بالدرجة الاولى ، في بادرة تحتاج الوقوف مطولا عليها ، باعتبارها تمثل تحولا نوعيا في مواقف بلاده من القضية الفلسطينية برمتها ، والقبول المبدئي بحل الدوليتين ، تليها تصريحات وزيرة الخارجية الالمانية التي حملت طابع النقيض في مواقف بلادها من الحرب ، وما اثاره تصريحها العاطفي القوي الذي يدمي الحجارة والصخرة الصماء في وصف الحرب البربرية على غزة ، عدى عن اسبانيا التي تعززت مواقفها المناهضة للحرب منذ الوهله لها ، ويعتبر ذلك انتصارا لسياستها الدولية الحكيمة .
ولم تكن تصريحات بلينكن عقب قمة السباعية متوقعة حسب كثيرا من المراقبين ، لكنه من المتغيرات الهامة في خارطة الاحداث والحرب على غزة ، والقابلة للتوظيف بايجابية حال اخذ قراءة تحرك الشارع الامريكي لصالحها (اي غزة ) وربما تكون الواقعة الاولى التي يسجلها التاريخ السياسي الامريكي تجاه القضية الفلسطينية التي ظلت مأساتها غائبة عن عقلية المواطن الامريكي وبعيدة كل البعد عن طبيعة وتكوين ومؤثرات الرأي العام فيها لدرجة لا تختلف عن بقية عواصم الغرب الاخرى الواقفة مع حق الاحتلال في فلسطين ، و انكار كل الحقوق المشروعة لاصحابها طوال خمسة وسبعين عاما خلت .
ويظل الشارع العربي خارج اطار اهتمام عواصم القرار الدولي ، وحساباته السياسية الدقيقة تجاه غزة ، رغم صعوبة تجاهله باستمرار ، لارتباط مظاهر واشكال المناصرة معها على مستوى العالم .