لم تكن الحكومات المتوالية على الحكم في اليمن وحدها مصيبة اليمن، وليس الحروب والجوع، وحدهما يشكلا آفات تهدد اليمن. بل هناك آفات أخرى أشد قسوة وضراوة وفتكاً، ومن هذه الآفات، آفة الفساد الذي استمر ينخر في جسد الدولة اليمنية مما أدى إلى إفقار شعبها المكلوم، وقضت على كل مسارات التنمية، وكبلت البلاد والعباد بالديون لبنوك وصناديق العالم، ووضع مصير اليمن تحت رحمة دول الإقليم، واصبح الوطن رهينة لصراعات إقليمية ودولية .
ووفقاُ لمؤشر «مدركات الفساد»، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، تقع اليمن في المرتبة الأولى عالمياً في قائمة الفساد من بين 180 دولة، حيث تغيب المُسائلة، وتسود عمليات نهب المال العام، والسطو على مقدرات الدولة. فاليمن تأتي في ذيل الأداء الإداري الأسوء على الصعيدين العربي والدولي كنماذج لممارسة الفساد من جانب القوى السياسية المتنفذه والنخب الحاكمة، مما أدى إلى انشاء تحالف يوحد بين قوى المال والسياسة والمشايخ والعسكريين ورجال الأعمال الجدد. وهناك أسباب عدة لإستفحال الفساد في اليمن، منها غياب الشفافية وضعف الأجهزة القضائية والرقابة والمحاسبة، بالإضافة إلى انتشار الصراعات وعدم الإستتاب الأمني، وغياب الردع القانوني.
في شمال اليمن حاول الرئيس ابراهيم محمد الحمدي رحمة الله عليه محاربة الفساد وبناء دولة تعتمد على النظام والقانون، تحتكم لقضاء موحد والتخلص من النظم القديمه التي فرضتها الأعراف القبلية بما فيها سجون المشائخ الخاصه، ولكن سرعان ما تم اغتياله لترحل معه احلام اليمنيين في بناء دولة العدل والقانون والقضاء على الفساد. ومن بعد رحيله سجلت القوانين الرسمية الوليدة في عهده تراجع لصالح «قوانين» العرف القبلي الذي تعترف به الدوله وتعتبره أحد مرجعيات استقرار المجتمع. أما بعد الوحده بين الشمال والجنوب فقد انتقل الفساد إلى كل الجنوب والتهم دولة القانون من خلال فرض الاعراف القبلية على القانون والنظام ،ومع اندلاع الحرب في مارس 2015م، ازدهر اقتصاد الحرب بوسائل جديدة وأصبح الفساد ممنهجاً، بتنسيق كامل بين القوى المتصارعة على الأرض. لانهم عند هذه الجزئية يتناسون الحرب ويتشاركون في تهريب السلاح والمخدرات والمشتقات النفطية، وينسقون المواقف لقبض الأموال. لقد اوجدت الحرب اقتصادها المزدهر على مستويات مختلفة من مجموعة واسعة من الفاعلين والمصالح والأنشطة، من كبار صانعي القرار والقادة العسكريين؛ إلى رجال الأعمال الجدد الذين وجدوا في الحرب فرصة للثراء، هناك توسع لهذا الصنف من المفسدين، من مسؤولين أمنيين وعسكريين يسيطرون على منافذ العبور الرئيسية مثل معبر “الوديعة” مع المملكة السعودية ومعبر” شحن” مع سلطنة عمان، وصولاً إلى مصرفيين تجاريين وصرّافين، بما فيه البنك المركزي للدولة في عدن وعم الفساد مؤسسات الدولة العامة والخاصة.
المجتمع الدولي هو من يقدم الدين والعون لليمن و معه كافة الداعمين يطالبون بأهمية محاربة الفساد الذي صنّـفت فيه اليمن، الأسوأ على النطاق العالمي والعربي، طِـبقا لتقارير مؤسسات الشفافية الدولية والنزاهة العالمية.
خلاصة القول..الواضح أن الفساد في اليمن أكبر من كل توقعات الخبراء الدوليين ، هذا الفساد ادى إلى خراب وتدمير اليمن وحتى الحروب العديدة والمستمرة شعارها واهدافها الغنائم والفيد والنهب والبسط وهذا ما حدث اثناء غزو الجنوب في 1994 و2015 .مع الأسف أصبح الفساد والرشوة ثقافة تنخر المجتمع وتنتقل من جيل إلى جيل ، فالدولة المؤسسة للفساد مستمرة وتشق طريقها أكان في عهد الشرعية أو وريثها المجلس الرئاسي.
لقد اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ