ضبط الإيقاع :

2013-07-06 15:29
ضبط الإيقاع :

عمر باصريح

قد تبدو بعض الاختلالات الإيقاعية طبيعية حينما يغيب المايسترو الجيّد، وحينئذٍ لا ينبغي لأي عضو من أعضاء السيمفونية أن يضع نفسه مكان قائدها في كل الأحوال؛ لأن ذلك لن يضبط الإيقاع، صحيح قد يُهتدى موسيقياً ـ أحياناً ـ بعازف الكمان، ولكن في الحالات الأكثر تعقيداً ـ كحال سيمفونيتنا ـ يظل العمل بحاجة إلى المايسترو الجيد، وإنما يحاول جميع الأفراد ضبط التناغم الموسيقي في أدائهم، من خلال فهم كل آلة للأخرى، وكما يقال: المرواس يفهم العود.

وفي الجنوب نعزف جميعنا سيمفونية واحدة، كل الأطياف ـ على اختلافها ـ تسهم بأصواتها فيها. ولأن المايسترو الجيّد غائب، يحاول بعض الأفراد أن يضع نفسه في مكان المايسترو، ليس ثمة فرد واحد، بل أفراد كثر يتطاولون على مكان القائد، وهذا ـ بالتأكيد ـ هو الذي جعل العمل غير منظم.

ويجد الجميع أنفسهم مضطرين إلى مسايرة من يضع نفسه مكان المايسترو ـ أياً كان ـ؛ فيخرجون تارةً في مليونية تلبيةً لدعوة أحدهم، ثم هم أنفسهم يخرجون في عصيان مدني تلبيةً لدعوة آخر، حتى غدا الشارع أشبه بالمصلح الذي ينزل على رغبة الجميع لإرضائهم، وليس هذا غباءً منهم؛ ولكن محاولة منهم لضبط الإيقاع؛ بينما لا يعي أولئك حجم المأساة، وفداحة العربدة، وتشتيت الأصوات.

نحن نعي مصادر الاختلاف جيّداً؛ ولا نريد من هذه الفصائل جميعها أن تغدو فصيلاً واحداً، نريدها أن تظل تحتفظ بكياناتها المستقلة، على طريقة الاختلاف الرحمة، وليس العذاب كما هو حاصل الآن، من أجل ذلك؛ ينبغي لهم أن يضبطوا إيقاع جهودهم فيما بينهم أولاً (بحوار جنوبي)، ثم يضبطوا إيقاعهم على إيقاع شعبهم ثانياً (من خلال مخرجات حوار تلبي طموح الشعب)، وأن يعوا جيداً أنه لا يمكن لأحدهم ـ الآن ـ أن يكون هو الممثل الوحيد لشعب الجنوب، وهذا سيكون نقطة تحوّل حقيقية من (الحراك) إلى (الثورة).

قد يكون الغرض من (التشتيت) ـ الآن ـ هو القبول بخيار الفدرالية غداً، من خلال إفراغ غضب الشعب وأصواتهم في أبواق عتيقة ومتعدّدة المسارات، تحتاج إلى نفس عميق وطويل في آن؛ وهذا ما يستدعي ضبط إيقاعاتنا، وتحجيم الشقوق التي تستهلك أنفاسنا.

وقد لا يكون ضبط الإيقاع إلا من خلال شعب الجنوب نفسه ومدى إيمانه بقضيته، فقد يبتكر أسلوباً جديداً ـ والمعاناة تخلق الإبداع ـ لضبط إيقاع ثورته، وقد لا تصحو تلك القيادات إلا على مليونيات تدعو إلى تجاوزهم، أو مجلس مدني أو غيره، وهذا يعتمد على نضج الشارع، وإيمانه بقضيته أكثر من إيمانه بالممثلين لها.