لا نقول عن سيناريو تصفيات القيادات والكوادر الجنوبية بأنه بدأ بل هو القديم الجديد المستمر فجذوره تعود إلى ما بعد الوحدة مباشرة بدءاً باغتيال ماجد مرشد والحريبي مروراً باغتيال كوكبة من الكوادر الجنوبية عسكريين ومدنيين إلى اغتيال اللواء الركن/ سالم قطن واللواء الركن/ناصر مهدي فريد واللواء الركن/عمر سالم بارشيد، وآخرين من رجالات الأمن الجنوبيين وانتهاء بما حدث قبل أيام باغتيال الطيارين في م/لحج وقبلهما إسقاط طائرة زميلهم العميد ركن طيار/علي صالح الخواجة قبل أشهر معدودة وغيرهم الكثير والكثير، ولن يتوقف هذا المسلسل عند هؤلاء الكوادر المؤهلة قطعاً، بل سيستمر حتى نهاية المخطط المعد مسبقاً من دوائر معينة ومعروفة في صنعاء لها مصلحة في ذلك. والغريب العجيب في مسلسل اغتيال الكوادر الجنوبية أن الفاعل دائماً مجهول وتم تقييد كل تلك الجرائم ضد مجهول، فهل يعقل هذا؟
إذ لم نسمع حتى اليوم عن القبض عن أي من الجناة الذين ارتكبوا تلك الجرائم بحق أبناء الجنوب وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء الجناة تقف خلفهم وترعاهم أجهزة أمنية ومخابراتية لا يمكن الاقتراب منها أو المساس بها، فهي تؤدي عملها بإتقان وبحرفية عالية وتحت غطاء يؤمن لها الحماية ويضمن لها عدم الملاحقة القضائية.
ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا إن مسلسل تصفية القيادات والكوادر الجنوبية يتميز إلى جانب ميزة توفير الحماية له بميزة النوعية في اختيار الضحايا، فتارة يكون الضحايا أفراد الجيش الجنوبيين وأخرى يكون الضحايا من كوادر وقيادات الشرطة والأمن السياسي الجنوبيين، وفي الفترة الأخيرة بدأ التركيز على اغتيال الطيارين والصحفيين الجنوبيين والتهديد بالتصفية للآخرين كان آخر هذه التهديدات هو تهديد الزميل/ فتحي بن لزرق رئيس تحرير عدن الغد، والزميلين/صلاح السقلدي، وصلاح بن لغبر، والمحاولة الفاشلة أمس لاغتيال العقيد ركن طيار/مساعد عوض النهدي، وهذا التنوع في اختيار الضحايا يكشف الغاية من وراء تصفية الكوادر الجنوبية ويكشف ضمنياً من يقف وراء تنفيذ هذا المخطط الدموي ضد أبناء الجنوب، فالغاية من وراء مخطط تصفية الكوادر النوعية الجنوبية هو أن يبقى الجنوب دون قيادات وكوادر مؤهلة في المستقبل وبالذات في المجالات الحيوية والنوعية والتي يتطلب التأهيل فيها سنوات طويلة، والهدف من وراء كل هذه الاغتيالات كي يسهل عليهم إبقاء الجنوب تحت سيطرتهم لأطول مدة ممكنة إذ لن تتحقق لهم هذه السيطرة في ظل وجود هذه العقول والقيادات النيرة والرافضة لهم، لذا يتم تصفيتهم كي لا تقوم للجنوب قائمة ليضمنوا في حالة حدوث أي مواجهة بين الشمال والجنوب أن تكون الغلبة لهم، فهم يقرأون كل تلك الاحتمالات ويثمنون جيداً كل ما يدور في الجنوب اليوم من تصاعد حالة الغليان والرفض الشعبي للتواجد الشمالي في الجنوب واستمرار الجنوب في مطالبته باستعادة دولته وهو ما يزيدهم إصراراً على القيام بتلك التصفيات الجسدية للقيادات والكوادر الجنوبية وأن أكثر ما يخيفهم في هذا الخصوص إدراكهم أن السياسة لا أمان لها ولا ثبات دائم فيها فهي تتغير بتغير المصالح ويعلمون جيداً أن كل المصالح المغرية توجد في الجنوب فيخشون أن تشجع هذه المصالح على تغيير موازين القوى الدولية لصالح قضية شعب الجنوب في التحرر واستعادة الدولة والهوية الجنوبية، في ظل بقاء الشمال متمترس خلف شعار الوحدة أو الموت وإصراره على الحرب، ليس حباً في الوحدة كما يتشدق بها الشماليون ولكن حباً في استمرارهم في نهب ثروات الجنوب.
بمعنى أنهم ينفذون هذا التصفيات والاغتيالات للجنوبيين خوفاً من حدوث مثل هذا اليوم الذي يُجبرون فيه على الرحيل فيطبقون مقولة: "تغدوا بالجنوبيين قبل أن يتعشوا بكم"، وهذا هو منطق أهل الغدر والخيانة وهم هنا قد أعدوا لهذا الأمر عدته وهذا ناتج عن اقتناعهم التام بأن الوحدة فشلت وأن الجنوب لن يستمر معهم وسيأتي اليوم الذي يُفك فيه الارتباط بين صنعاء وعدن، هذه هي الحقيقة التي تؤرقهم، حقيقة الخوف من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم في حال تغيرت نظرة المحيط الإقليمي والدولي لعدالة قضية شعب الجنوب، لهذا يلجأون إلى أساليب الاغتيالات للقيادات والكوادر الجنوبية ظناً منهم أن هذا سيخرس الصوت الجنوبي وسيثني الجنوبيين عن مطلبهم في التحرر واستعادة الدولة والهوية الجنوبية، ولكن نقول لهم هيهات هيهات.