حلت منذ أيام الذكرى الخامسة والعشرون للغزو اليمني - العفاشي الاخونجي - الغاشم للجنوب العربي .. الغزو الذي استباح كل شيء في الجنوب العربي ، استباحوا البشر والشجر والحجر ، حيث ان الغزاة كنوا انفسهم بالفاتحين المسلمين وكنوا الارض التي غزوها بارض الشيوعيين الكفار ، وبالتالي اعطوا لانفسهم الحق في استلاب اي شيء في الجنوب واستلاب كل شيء.
ان مافعلوه الغزاة الجدد في سنة 1994 لم يجروء على فعله الغزاة البريطانيون في عام 1838 .
ففي سنة 1994 قام الغزاة اليمنيون بعد دخولهم عدن بنهب الممتلكات العامة والخاصة ، وابتداؤ بنهب مستودعات الجهاز المركزي للمعونات العينية ، هذا الجهاز الذي كان يقدم مساعدات عينية للاسر الفقيرة في الجنوب ، في حين ان الغزاة البريطانيون في عام 1838 وعلى راسهم القبطان هينس لم يفكروا في النهب والسلب ، بل ان اول مافكروا به بعد دخولهم عدن هو تبطين مجرى السيل في عدن من المنبع في منطقة الطويلة بمدينة عدن القديمة ( كريتر ) حتى البحر في منطقة صيرة ، وفعلا انجزوا المشروع ، وبذلك روضوا مياة السيول التي كانت تنطلق جراء الامطار من جبال عدن وانتفى خطر السيول من عدن وآمن اهل عدن من خطر السيول منذ ذلك الحين .
قامت سلطات الاستعمار البريطاني ( البغيض ) بانشاء قوة شرطة محلية من ابناء عدن سميت ب بوليس عدن ( Aden Police ) للحفاظ على الامن في المدينة من ناحية وللقضاء على البطالة من ناحية اخرى ، بينما قامت سلطات الاحتلال اليمني بتسريح العسكريون المحليون الجنوبيون تسريح قسري ، وجلبوا قوات شرطة وامن مركزي من بني جلدتهم وكانت تتعامل - في احسن الاحوال - بجفاء مع المواطنيين الجنوبيين وفي غالب الاحيان كانت تتعامل معهم بكل غلظة وفضاضة .
قامت سلطات الاستعمار البريطاني ( البغيض ) بانشاء جيش جنوبي او نواة لجيش جنوبي من ابناء الجنوب العربي بمختلف صنوفها ( قوات برية وقوات بحرية وسلاح جو ) ، وكان يسمى بالجيش العربي تمييزا له عن الجيش البريطاني ، في حين قامت سلطات الاحتلال اليمني بتسريح افراد الجيش الجنوبي وسرقة ونهب اسلحته ومعداته وثكناته .
قامت سلطات الاستعمار البريطاني ( البغيض ) بانشاء ادارة حكومية في عدن وفي الجنوب تمتلك درجة عالية من الكفاءة والدقة والانضباط والنزاهة ، بينما قامت سلطات الاحتلال اليمني بتحطيم تلك الادارة النزيهة واستبدلته بافراد فاسدين ومفسدين وركزت كل الصلاحيات بايدهم ، كانت اختام اية ادارة توضع في قسم الارشيف في عهد الاستعمار البريطاني ( البغيض ) ، لكن سلطات الاحتلال اليمني قامت بنقل الاختام الى شنطة ( محفظة ) المدير وصارت شنطة المدير هي الارشيف ، وعندما يسافر المدير او يكون في اجازة فان مصالح الناس تتعطل نظرا لعدم وجود اختام في الادارات ، وما اكثر اجازات المدراء وسفراتهم .
وبذلك تم الانتقال القسري من النظام الاداري العالمي المتطور الراقي الى النظام الاداري العثماني المتخلف الفاسد ذلك النظام المعمول به في صنعاء والموروث من عهد الدولة العثمانية عندما كانت متواجدة في صنعاء .
في عهد الاستعمار البريطاني ( البغيض ) لم تكن هناك ظاهرة رشوة ، وكانت الرشوة منعدمة او شبه منعدمة ومع ذلك كانت تلك السلطات الاجنبية لاتستاهل ابدا في محاربة الرشوة ، وكانت قاسية في تعاملها مع حالات الرشوة النادرة الحدوث ، بينما شجعت سلطات الغزو اليمني الرشوة حتى صارت ظاهرة طغت على كل شيء وبات المواطن الجنوبي لايتمكن من انجاز اية معاملة الا بدفع رشى .
جعلت سلطات الاستعمار البريطاني ( البغيض ) من عدن ثاني ميناء في العالم ، وأنشأة مطار وجعلته ينافس مطاري طوكيو وروما ، بينما اهملت سلطات الاحتلال اليمني ميناء عدن اهمالا متعمد بقصد تخريبه حتى صارت الغربان تنعق فيه ، وكذلك الحال بالنسبة للمطار .
اهتمت سلطات الاستعمار البريطاني ( البغيض ) بالرعاية الصحية لاهالي عدن والجنوب وأنشأة نظاما صحيا راقيا ، وشيدت في عدن اضخم واحدث مستشفى في الشرق الاوسط ( مستشفى الملكة اليزابيث الثانية ) لتقديم خدمات التطبيب بالمجان لاهالي الجنوب ، بينما عمدت سلطات الاحتلال اليمني الى تدمير النظام الصحي في الجنوب وتدمير المنشاءات الصحية ، حتى صار مستشفى الجمهورية ( مستشفى الملكة سابقا ) مأوى للقوارض والحشرات ، واغلقت مستشفى عدن العام ( المقدم من الشقيقة السعودية ) .
أنشئت سلطات الاستعمار البريطاني ( البغيض ) نظاما تعليما حديثا وراقيا في الجنوب ، مما حدا بسلطان سلطنة عمان السابق بارسال ولده قابوس ( سلطان عمان الحالي ) ليتلقى التعليم في مدارس عدن وينهل من معارفها العلمية ، بينما عملت سلطات الاحتلال اليمني على تحطيم منظمومة التعليم في الجنوب وشجعت الغش في الامتحانات ، وبذلك تدهور مستوى التعليم في الجنوب .
عمدت سلطات الاستعمار البريطاني ( البغيض ) الى نظام تخطيط حضري راقي ومتقدم لمدينة عدن ، يراعي كافة الاحتياجات والخدمات ، بينما عبثت سلطات الاحتلال اليمني بذلك التخطيط الحضري للمدينة وشجعت البناء العشوائي بهدف جعل مدينة عدن قرية او دون ذلك .
ان ماذكر آنفا هو غيض من فيض ، والقصة تطول ، ولكن الطريف في الامر ان كل من غزا عدن وغزا الجنوب كانت نهايته ماساوية ، فالقبطان البريطاني هينس مات محبوسا في السجن بعد ان قضى اربع سنوات من مدة محكوميته البالغة ثمان سنوات ، وعلي عبدالله صالح عفاش قتل بضربة فاس في راسة من بني جلدته .
يبقى سؤال اخير وهو :
ايهما اسواء ، هل هي مرحلة الاستعمار البريطاني ( البغيض ) ام مرحلة الاحتلال اليمني - العفاشي الاخونجي - ان الاجابة عن هذا السؤال متروكة لك عزيزي القاريء.
*- بقلم : حامد جعفر الحامد