في العديد من حواراتي ونقاشاتي مع زملائي من الشمال ألمس منهم وجهة نظر خاطئة تتلخص في أن أبناء الجنوب يطالبون بالانفصال عن اليمن، والحقيقة غير ذلك تماماً لأن الجنوب والشمال لم يكنا في يوم من الأيام دولة واحدة أو كيان واحد حتى يصدق ذلك القول بأن الجنوب يطالب بالانفصال، وعندما أرد عليهم بهذه الحقيقة التاريخية وبأننا لسنا انفصاليين يتعجبون ويقولون لي وما تسمون ما تطالبون به، أقول لهم إنّا كجنوبيين نطالب بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية فيزداد تعجبهم واستغرابهم، فيقولون وما الفرق فالنتيجة واحدة؟ فأقول لهم بل هناك فرق وبون شاسع في المدلول القانوني والسياسي، فالانفصال يعني أن هناك كيان واحد يريد جزء منه التمرد والخروج عنه، في حين يعني فك الارتباط أن هناك كيانين كان لكل منهما شخصيته الاعتبارية المستقلة عن الآخر ودخلا بموجب اتفاق بينهما في اتحاد أو وحدة وأن أي إخلال لما اتفقا عليه يعد فسخاً وانحلالاً للرابطة القانونية التي ارتبطا بها وهي الاتفاقية أو العقد والذي نشأ بموجبة الاتحاد أو الوحدة بينهما، وعلى هذا الأساس فإنّي وكل أبناء الجنوب ضد كلمة الانفصال وإنّا لا نكرهها فحسب بل ونمقتها أيما مقت أيضاً، لماذا؟ لأنها تعني في مضمونها إن الجنوب فرع من الشمال وأن هذا الفرع يحاول التمرد والخروج عن الأصل، والصحيح أن الجنوب ليس فرعاً بل كيان مستقل بذاته دخل مع الشمال كندٍ في مشروع وحدة بينهما فشلت ولم تتم فعلياً، بمعنى أنه لم تكن هناك وحدة حقيقية البتة بين دولة الجنوب ودولة الشمال وهذا بشهادة كثير من السياسيين ورجال الفكر وأن كل ما حدث أو تم في عام 1990م ما هو إلاّ مجرد إعلان للوحدة وليس وحدة بمعناها ومفهومها الحقيقي، ويتفق معي الكثيرون إن الإعلان عن الشيء ليس هو الشيء ذاته، وخير دليل على أن ما تم في يوم 22 مايو 1990م هو إعلان عن الوحدة فقط وليس الوحدة بمفهومها المادي والقانوني أنها ظلت كل من الدولتين في الشمال والجنوب محتفظة بمقوماتها، فهناك جيشان وعملتان وإقتصادان وأمنان وسلطتان تحكم كل منهما في الجزء الذي تسيطر عليه، وأن الدولة والسلطة الواحدة لم تفرض إلاّ بالقوة عقب حرب صيف 1994م والتي قضت على مشروع إعلان الوحدة بقوة السلاح وأرست بدلاً عنه احتلالاً لأرض الجنوب نكل بأبناء الجنوب ودمر مؤسساتهم العسكرية والمدنية وشرد قادتهم وموظفيهم ونهب أراضيهم ونظر إليهم نظرة المنتصر المنتشي بنصره وظن أنه بذلك قد قضى على جذوة ونخوة الجنوبيين وما علم أن تحت رماد الجنوب ناراً ستحرق كل أقدام الغزاة والمحتلين، وهذه هي الحقيقة التي غابت عن حكام صنعاء بالأمس بسبب زهوهم بانتصارهم في حرب صيف 94م والتي يدفعون فاتورتها اليوم وسيدفعونها غداً، لأن أبناء الجنوب ومن خلال حراكهم السلمي سيفرضون واقعاً جديداً على الأرض يرفض كل ما له صلة بواقع ما بعد حرب صيف 94م الذي اعتبر الجنوب فرع من الشمال وأنه عاد إلى أصله كنتيجة حتمية وطبيعية وهو ما ترتب عليها أن أي مطالبة لأبناء الجنوب هي خروج عن هذه القاعدة وأنها سلخ لهذا الفرع وهو الجنوب عن الأصل وهو الشمال. وهي النتيجة التي لا نعترف بها نحن أبناء الجنوب ونرفضها قولاً وممارسةً، لهذه الأسباب نحن أبناء الجنوب نمقت كلمة الانفصال لأنها تعني إثبات لوحدة لم تكن إلاّ بالقوة في 94م، والصحيح أننا نطالب بفك الارتباط عن دولة الشمال واستعادة الدولة الجنوبية بسبب إنهاء الرابطة القانونية وانحلالها بقوة السلاح من قبل القوات الشمالية وهذا هو التوصيف الأصح والأصدق والأكثر تعبيراً عن واقع الحال السائد الآن، فقد كان الجنوب دولة مستقلة معترف بها كعضو في منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى دخلت مع دولة الشمال في مشروع وحدة لم يكتمل ولم يكتب له النجاح فاضطرت الدولة في الشمال لشن حرب على الدولة الجنوبية فاحتلتها بالقوة وفرضت واقعاً جديداً جعل الجنوب وفق مبادئ وقواعد القانون الدولي بلداً محتلاً يرزح تحت نير أسوأ وأبشع احتلال عرفه في تأريخه المعاصر، وهو اليوم يسعى عبر نضاله السلمي إلى الخلاص من واقع ما بعد حرب صيف 94م وقد قدم في سبيل ذلك قوافل من الشهداء والجرحى والمعتقلين ولا أظنه اليوم يرضى ثمناً لذلك بما سوى التحرير للأرض واستعادة الهوية والدولة الجنوبية وعاصمتها عدن.