لا شك أن القرارات الأخيرة للرئيس/عبدربه منصور هادي قد أسعدت كثيراً من الناس خاصة وأنها قد أزاحت مراكز قوى ظلت تتحكم في صنع القرار السياسي في اليمن لعقود من الزمن وأدارت البلد بعقلية نرجسية قدمت مصلحتها الشخصية على مصلحة البلد ومواطنيه وبسبب هذه العقلية الضيقة عانى الشعب الويلات، فلا أمن ولا أمان ولا تنمية ولا مؤسسات ولا قانون يحمي الضعفاء من تسلط الأقوياء ولا كرامة لمواطن في أرضه أو خارجها، وتفشى الفساد والمحسوبية ونهب المال العام دون رادع أو خوف وغابت الدولة وتخلت عن دورها القيادي في إحقاق الحق والعدل والمساواة بين أفراد الشعب، وحلت القبيلة الحاكمة محل مؤسسات الدولة والأعراف محل التشريع حتى فقد المواطن الأمل في وجود الدولة التي تحميه وتنصفهُ من جور وتعــسف وهيمنة تلك القوى المتنفذة، لدرجة دب اليأس في نفوس الشعب وانقطع الأمل في الإصلاح وقيام دولة النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية، وانعدمت الثقة بين المواطن وأجهزة ما كان يسمى بالدولة.
ولأن دولة الظلم لا تدوم وان سادت لردح من الزمن فقد سخّر الله للبلد من ينصر شعبها ويحفظ لهم كرامتهم ويزيح عنهم الكابوس الجاثم على صدورهم، فكان وصول المشير/ عبدربه منصور هادي إلى سدة الحكم هو بداية بزوغ فجر غد جديد، ولعل ما يدل على صدق وصحة ما أقول هو ما قام به الرئيس المنصور في الفترة القصيرة لتوليه رئاسة الدولة وما اتخذه من قرارات مصيرية أهمها قراراته الأخيرة التي تؤكد عزمه على بناء الدولة بمؤسساتها الفاعلة القوية لا الهشة ابتداء ببناء مؤسسة القوات المسلحة وإعادة هيكلتها وفق أسس وطنية وعلمية حديثة يكون ولاءها الأول والأخير لله ثم للوطن، على الرغم من خطورة قراراته تلك وتأثيراتها السلبية على تلك القوى المتنفذة التي ظلت تحكم البلد لفترة من الزمن وعلمه المسبق بأنه بقراراته تلك يدخل في معمعة صراع خفي وظاهر مع تلك القوى وأنه بهذا كمن يقف على رؤوس الثعابين وفق المقولة الشهيرة للرئيس علي ناصر محمد عند تشبيهه لمن يحكم اليمن لكن الرئيس عبدربه منصور لا يريد أن يقف على تلك الرؤوس فحسب بل ويصر على التوغــل في أماكنها ليروضها حتى تبقى في جحورها هادئة، فإن أبت وأصرت على الأذى والمقاومة قطع أنفاسها وأبقاها هناك لا حراك لها، ومع علمه بكل ذلك وبكل ما يحيط به من خطر إلّا أنه واصل المسيرة مفضلاً مصلحة الوطن والشعب على غيرها من المصالح الشخصية والضيقة ومواصلاً مسيرة التغيير والبناء والتحديث ولو كلفه ذلك حياته، فقد عُرف عن الرئيس بن منصور ثباته وقوة شخصيته وعدم تراجعه عن الغايات والأهداف السامية مع التصميم على الوصول إلى نهاية المشوار بإرادة فولاذية قوية وعزم لا يلين إلى جانب حنكته السياسية وهدوءه في إدارة الأمور وفق ما يقتضيه الموقف.
والأيام القادمة ستكشف لنا التطبيق العملي لتلك القرارات وتجسيدها واقعاً ملموساً مع أني أرى أن تلك القوى وغيرها التي شملتها تلك القرارات لن تستسلم بسهولة وأن أبدت في الظاهر قبولها ورضاها لكل ما يقوم به الرئيس لكن على الرئيس أخذ الحيطة والحذر، فهذه القوى هي نفسها التي رافقت الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وغدرت به في منتصف الطريق مع فارق بين الأمس واليوم وهو أن الرئيس الحمدي لم يكن يتوقع أن يغدر به ممن أحسن الظن بهم وقربهم إليه، أما الرئيس بن منصور فأنه يعلمهم جيداً ولقد خبرهم في الفترات السابقة ويعلم بكل صغيرة وكبيرة عنهم حتى كأنهم كتاب مكشوف أمامه يجيد قرأته وفك طلاسمه، علاوة على أن الرئيس الحمدي لم يكن لديه غطاء إقليمي ودولي كما هو حال الرئيس عبدربه منصور بل كان الإقليم ضد الحمدي لخشيته من مشروعه الوطني في تلك الفترة فدعم بقوة معارضيه ضده للتخلص منه، أما اليوم فقد تغيرت المعادلة فتخلى الإقليم عن حلفاء الأمس لأنهم أصبحوا عبئاً ثقيلاً لابد من التخلص منه، والإقليم اليوم يقف ومعه المجتمع الدولي إلى جانب الرئيس عبدربه منصور هادي ومشروعه التحديثي وبناء دولة المؤسسات دولة النظام والقانون والمساواة والعدالة الإجتماعية، وهو المشروع الذي لا يروق لمراكز القوى والنفوذ تلك أن يتحقق وستعمل بكل ما أُوتيت من قوة لعرقلته كي لا تخسر مصالحها ونفوذها وسطوتها، فهل تنجح أم ينجح الرئيس ومشروعه؟.