بالنظر إلى تزامن أغلب الثورات العربية في قيامها مع بعض الثورات الآسيوية وتحرر بلداننا العربية بنفس تاريخ تحرر بعض بلدان آسيا أو قبلها أو بعدها بقليل، نرى أن الهند وكوريا الجنوبية مثلا قد حققتا معظم أهدافهما قياسا بمصر وسوريا مثلا كبلدين تحررا في فترات تتقارب مع تحرر الهند وكوريا الجنوبية.
لست ضد ثورات التحرر العربية أو الأجنبية، ولكن بعد مرور أكثر من نصف قرن على انتصار الثورات العربية سنجد حين نقارنها بمثيلاتها في التحرر، وقد ضربنا مثلا (مصر وسوريا في مقابل الهند وكوريا الجنوبية).
سنجد أنه لا وجه للمقارنة، ففي بلداننا العربية عانى هذان البلدان - مصر وسوريا - من تعثرات جمة وعثرات خطيرة ولاتزال، ونتمنى خروجهما من مستنقع تلك العثرات بمشيئة الله (وطبعا بقية الثورات العربية لبقية بلداننا العربية عانت من ذات المصير ومنها ليبيا واليمن). ولكن حرصنا على ذكر تحرر سوريا ومصر كأقدم ثورتين تحرريتين في عالمنا العربي. فلماذا نحن نعاني من التعثر وعدم تحقيق ما حققته ثورات بلدان مشابهة لنا كمثل الهند وكوريا؟!
فهل هي المؤامرات مثلا؟ ولماذا تجد تلك المؤامرات في أوطاننا طريقا للنجاح ولا تجد مثيلا له في بلدي المقارنة (الهند وكوريا الجنوبية)، أم أنها الشخصية العربية وسيكولوجيتها التي يغلب عليها طابع الأنا.. بما يعني أنها إقصائية للآخر كما وصفها بعض فلاسفة وعلماء الغرب، ولا يحضرني اسمه الآن.
وقديما قال شاعر عربي جاهلي:
ونشرب إن وردنا الماء صفواً ** ويشرب غيرنا كدرا وطينا (عمرو بن كلثوم).
فيما في أيام دولة بني حمدان قال أبو فراس الحمداني:
ونحن أناس لا توسط بيننا ** لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
وسياسي يمني قال بعد انطلاق الحراك السلمي بسنتين: (فليشربوا من البحر)، ذهب ذلك السياسي وأبقى لنا خلفا يدير الأمور على قاعدة (قد رأيت أنه لا يصلح لكم إلا ما قررته).
أو (خذوا ما أعطيتكم أو أمامكم الباب وهو يتسع لأكثرمن جمل).
فهل عثراتنا وعثرات ثوراتنا هي سبب صراعنا وليس تنافسنا في تقديم الأفضل دون قتال وتدمير؟ وهل السبب تركيبتنا وشخصيتنا ذات الطابع الإلغائي والإقصائي للآخر؟
إننا نقف مع الثورات والثوار ونحسن الظن بهم (أي الثوار) فهم كانوا المحررين للأوطان وقدموا تضحيات جسيمة وغالية.
لكن ربما أنهم لم يفرقوا حينها وحتى الآن بين من لديه المقدرة والكفاءة والوطنية ليكون ثائرا وفدائيا، وبين بناء الدولة والذي يحتاج لكفاءات أخرى ليس بالضرورة أن يكونوا ثوارا أو مناضلين تحرريين، فالنضال أصناف عديدة منها المقاومة والقتال والفدائية، والصنف الآخر لا يقل عن الأول شأنا وهو البناء الهيكلي والتنظيمي والاقتصادي للبلد.
رحم الله البردوني، فقد قال عن سبتمبر وبالذات في عام 1971م في قصيدته «تقرير إلى عام 71م»:
والأباة الذين بالأمس ثاروا ** أيقضوا الذئاب حولنا ثم ناموا
ربما أحسنوا البدايات لكن ** هل يحسون كيف ساء الختام؟!
ويظل هناك سؤال قائم: لماذا تعثرنا وتعثرت ثوراتنا كعرب فيما نجحت ثورات الشعوب غير العربية؟!