حكومة تأتي بشابٍ صغير، لم يُكمل دراسته الجامعية بعد، وليس لديه أي خبرات سابقة، ثم تعينه في منصب وكيل وزارة مرة واحدة وبمجال لا علاقة له به من قريب أو بعيد، وليس في رصيده من المؤهلات غير بضع مرات ظهر فيها ضيفاً على قنوات فضائية يكيل المديح لرموز الحكومة، فيدخل بهذا التتويج الشرعي موسوعة جنيس للأرقام القياسية من أوسع الأبواب، كسابقة أولى في تاريخ الدول الحديثة...
وهذا المثل نموذج بسيط من نماذج كثيرة، بل صار عرفاً نافذا يحدد معايير شغل الوظيفة العامة في حكومة الشرعية بمختلف مستوياتها.
المشكلة الأكبر والأكثر مدعاة للسخرية والعسر الذهني والنفسي أننا وبينما نحن بصدد المحاولة للتأقلم - بشق الأنفس - مع قرار من قراراتها الكارثية، سرعان ما تخرج علينا بمعلقات وطنية باذخة وتبشرنا بأننا على اعتاب عصر جديد مزهر، وبزوغ فجر الدولة المدنية الحديثة!
و"الحكومة الشرعية" هُنا هو مُصطلح مطاط جدا، ونقصد به كل من يملك القرار أو يشارك في صناعته، وربما سيكون الحديث عن "صانع القرار" أكثر دقة من الحديث عن كيان هلامي كاريكاتوري اسمه الحكومة الشرعية.
وفي هذا الصدد، ما زال لدي سؤال لم أجد له إجابة على الإطلاق؛ إجابة منطقية، والسؤال يتعلق بمحافظة أبين: فهل كان "صانع القرار" بحاجة إلى سنتين كاملتين من الفساد التام والفشل التام وعلى كافة المستويات حتى وصلت المحافظة إلى درك سفلي من الفوضى والاختلالات الأمنية والفساد لا نظير له، هل كان بحاجةٍ إلى كل هذا الوقت حتى يجرؤ أخيراً على إجراء تعديل بسيط؟
أن يفتح المرء وعيه في حقبة كان يحكم فيها واحد صعلوك كعلي عبدالله صالح فهذا لا يعني سوى شيئاً واحداً؛ أن المرء قد أصيب بحساسيةٍ مفرطة تجاه كل الشعارات الوطنية الصفراء التي ظل يُرددها الإعلام الأبله ليل نهار دون كلل أو ملل، شعارات اللصوص للصوص من أجل اللصوص، وبهذا فهو لم يعد لديه أي متسع لسماع المزيد منها خصوصاً من نفس الجوقة السابقة المحترفة في الدجل والتضليل...
فهل يستطيع أحدهم أن يخبرنا، وبعيداً عن هذه الشعارات الصفراء الفاقع لونها، ماهي الحكمة المستترة بممارسات وسلوكيات الشرعية، أو صانع القرار بالأصح، التي غابت عنّا، وفي بلد منهار وعلى شفا مجاعة شاملة، وفوضى ليس لها بداية ولا نهاية؟!.. ما الذي يريده بالفعل من وراء هذا الاستهتار المهول؟