صوروا أنفسهم كالقناديل التي تضيء الطرقات ليخادعوا ولينخدع بهم وبضوئهم الزائف بسطاء الناس، إذ يتبعون ضوء هذه القناديل السرابية يحدوهم في ذلك الأمل في الوصول إلى غايتهم المرتجاة البسيطة بساطة طباعهم ولكن سرعان ما تتكشف حقيقة ذلك الضوء السرابي الكاذب وحقيقة هؤلاء المتلونين تلون الحرباء، وهنا فقط أحس أؤلئك البسطاء أنهم مخدوعون طيلة مسيرة السير في تقفي أثر ذلك الضوء.
وهنا يدركون الحقيقة المرة بأنهم بالنسبة لهؤلاء ما هم إلّا أضحوكة "أراجوز" يجلبونه حينما يريدون التسلية ويرفلونه بأقدامهم القذرة حينما يشعرون بالاكتفاء، هذه الحقيقة المرة التي أفاق عليها أولئك الطيبون المخدوعون جاءت متأخرة شيئاً ما، لأنهم لو أدركوا هذه الحقيقة لما استمر خداعهم سنين عديدة من الدهر، ولكن النهاية قد دنت وقد ترجف لها الأرض فإن عاصفة المخدوعين والمظلومين وردود أفعالهم واستشعارهم بأنهم قد خُدعوا تولد أفعال أقوى بكثير من تلك الأفعال التي خُدعوا بها أو مورست عليهم أو ظُلُموا تحت وطأتها.
إذاً فمسيرة الشعوب تدلل وتعطينا العبر والدروس على أن إنخداع الشعوب المقهورة لا يستمر طويلاً، فلابد من يوم تعلن فيه الصرخات وتتعالى الأصوات المنادية بالغضب وأي غضب؟! غضب الجماهير المكبوتة سنين عدة، أصوات لا توقفها طلقات البندقية وقذائف المدفعية وقنابل الغاز، أصوات تفجرت من الأعماق من الداخل لا يمكن لها السكينة والهدوء والمساومة، فعلام تساوم وتسكت؟! أعلى كرامتها؟! أم على البقاء في العبودية والخنوع؟
إذاً ذاك حلمٌ مستحيلٌ وطلب مستبعدٌ لا يمكن التحاور والتناقش حوله أو بشأنه إلّا بشرط واحد وهو الزوال والرحيل لهؤلاء المخادعين والمغتصبين، والخروج بأنفسهم (طوعاً) أو كرهاً ورفع وكف أيديهم عن أفواه الناس المسحوقين المطحونين وإلّا فإن الأصوات المحبوسة في الأعماق ستنطلق وأنتم تدركون ما عاقبة ذلك.