منذ بداية ظهور "الفكر الإسلامي" ظل الجدل قائماً، على أشدِّه، بخصوص مواضيع جوهريّة مرتبطة بمغزى الوجود الإنساني كنوع العلاقة بين "الحرية والمسئوليّة" أو الحريّة والتكليف" حسب الاصطلاح الإسلامي.
صحيح أن المفكرين الإسلاميين نظروا إلى مفهوم الحريّة بطريقتهم الخاصة، لكن في الغالبيّة العُظمى من تنظيراتهم توصّلوا إلى الإقرار بان الحريّة سابقة على التكليف وهي شرطه الأساسي، فلا معنى من وجود التكليف الذي يترتب عليه بالضرورة حساب وعقاب - دنيويّة وأخرويّة - بدون وجود حريّة مُطلقة في الاختيار. ويستندون في ذلك إلى أن التشريع (المقدّس) قد عمل على خفض وتقليل حجم المسئوليّة الملقاة على عاتق كل أولئك الذين عدّوا قُصّر عن حريّة التصرف أو حالت عوائق نفسية/بيولوجيّة/اقتصادية - اجتماعيّة دون حيازتهم الكاملة لها كالمجنون والطفل والمرأة والرقيق.
وللتفريق بين التداخل المُفترض بين الإنسان والحالة البهيميّة، وجدوا أن حيازة الإنسان للعقل، أو تكريمه به حسب التعبير الإسلامي، هو الضامن الوحيد لعدم وقوعه في ممارسات بهيميّة واحتفاظه بكينونته الإنسانيّة عند الحصول على حرية الاختيار.
قد يتحفظ المرء في وقتنا الحاضر على كثير من النقاط الواردة في سياق الجدل الإسلامي، علاوة على أنه لا بد أن يضع في حسبانه بالطبع أن هذه النصوص تعاملت مع أوضاعٍ قائمةٍ، لكن بشكل عام فإن التعاطي مع مواضيع جوهرية كالحريّة والمسئوليّة والعلاقة الناظمة بينهما كان أكثر عمقاً بكثير من السطحيّة البذيئة التي يتعامل بها المُعاصرون مع مواضيع كهذه، والتي لا تعدو أن تكون ردّة فعل (قاصرة وانفعاليّة) على صدمة الحداثة الغربيّة دون أن تتوقف قط للإطلال على المغزى الأعمق من طبيعة وحقيقة وجود هذا الكائن البشريّ!!!