أهمية الاستماع إلى الكبار..

2015-11-08 23:38

 

الحمد لله

كنت في صنعاء عام 1413-1993 ودعاني السيد المرتضى بن زيد المحطوري* رحمه الله إلى تناول الغداء عنده، ودار الحديث حول تعدي الإخوان والسلفية على مدارس الزيدية ومساجدهم، وعندما سألته عن خطر المد الإيراني في صفوف إخوتنا من الزيدية، قال على نحو صريح ومباشر: "هم أخطر علينا من "الوهابيّة" لأنهم يعزفون لنا على وتر آل البيت".

وفي زيارة لسيدي العلّامة محمد بن محمد المنصور** سألته عن رأيه في مقولة الأستاذ المرتضى فأيَّدها، حفظه الله، وأضاف معلقا:

 

"نعم هو كذلك، والكثير من طلبة العلم لا يعلمون بأن ردود الزيدية على الإمامية [الشيعة الاثناعشرية] هي من أقوى ما صُنِّف في الرد عليهم".

في نفس السياق سألته بعدها بسنوات: كيف ينظر إلى تأثير الظلم الذي عاملت به أجهزة حكومات الثورة المدرسة الزيدية لا سيما أبناء الهاشميين منهم على شبابهم؟

 

فأجاب لطف الله به: "لا شك أنه ظلم عظيم، وقد يؤدي إلى ما لا تُحمد عواقبه إذا أطلق الشباب العنان للغضب أو وجدوا من يحرضهم".

 

وسألته بعد مقتل مؤسس حركة أنصار الله "الحوثيين" عن إمكانية السعي في رأب الصدع ونزع فتيل الفتنة بما له من ثقل مرجعي لدى الزيدية، واحترام لدى الرئيس علي عبد الله صالح فأجاب:

 

"سعينا ووافق الإخوة في صعدة وأخذ الرئيس "وجه" ولكنه لم يفِ بوجهه الذي أخذه، وأخشى أن يؤدي ذلك إلى ضرر يعم البلاد، ويستعدي بعضها على بعض، فإذا سُدَّت الأبواب أمام الإخوة في صعده قد يؤدي ذلك إلى تحالفهم مع الإيرانيين، وهذا إذا حصل سيُثير فتنة كبيرة في المنطقة، وإيران لا تفكر إلا في مصالحها، والسعودية ماعاتسكتش [لن تسكت على هذا]".

 

فسألته: الا ترون سيدي أن هذا قد يؤدي إلى زيادة الضرر على المدرسة الزيدية ومؤسساتها ومساجدها في ظل تعميم المضادين للحوثيين الهجوم على الزيدية؟

 

أيضا، ألا ترون ضرورة تمايز المؤسسات الزيدية التعليمية، الجامع الكبير في صنعاء فما دونه، عن المعركة السياسية التي يخوضها الحوثيون؟ بمعنى منع أخذ الزيدية بجريرة معركة الحوثيين ؟

 

فأجاب حفظه الله: لا شك، ولكن هل يستطيع الزيدية فعل ذلك؟ لا سيما والهجوم عليهم يتضاعف في كل حرب تتجدد مع الحوثي، وهذا سوف يؤدي إلى فقد القدرة لدى الكبار على إقناع الصغار بسبب توالي الظلم وتعميم الهجوم على الزيدية.

 

وسألته: لكن ألن يؤدي ذلك إلى انخراط عموم شباب الزيدية في الصراع مما يُعطي الفرصة لخصومهم في استغلال ذلك ضمن حربهم على الزيدية؟

فأجاب: "نعم، والمشكلة أنهم يدفعون الشباب إلى ذلك ومن لم يكن مع الحوثي فسوف يصبح معه، وعندها سوف تتضاعف الحرب على الزيدية أضعاف ما كانت عليه بعد الثورة على الإمام".

 

وأخيرا..

كلما تابعت الأخبار المؤلمة عن الحرب التي تجري في اليمن وما جرّه الحوثيون على البلاد بتحالفهم مع النظام الإيراني وإعطائه الفرصة لطعن دول الجزيرة من الخاصرة اليمنية، وازدياد عدد الضحايا، ووقوع الأبرياء بين مطرقة طرف وسندان الآخر، تذكرت كلام العلّامة المنصور وكيف أن عواقب عدم الإصغاء إلى الكبار وخيمة.

 

كما أن القلق الآن يتضاعف بعد ارتفاع ضجيج التحريض الطائفي لدى كل جانب وهو نذير شؤم أسأل الله أن يُعَجّل بالمخرج الجميل من شره وشرره إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

تنبيه: الزيدية يُحرّمون التقية، وقد أفتى العلّامة المنصور مع عدد من مراجع الزيدية بجواز ولاية من لم يكن من البطنين.

 

..........

*الأستاذ المرتضى بن زيد "رحمه الله" مؤسس مركز بدر التعليمي في صنعاء، وخطيب جامعه، وأحد أصحاب نهضة التعليم والعمل الدعوي الزيدي في التسعينيات الميلادية، وكان أستاذا في كلية الشريعة بجامعة صنعاء بعد حصوله على درجة الدكتوراه من الأزهر الشريف. وقد تعرض لعدة محاولات اغتيال بعد تلقيه تهديدات عديدة ودخوله في صدامات متكررة مع بعض رموز حزب "الإصلاح' إخوان اليمن، وتم سجنه عدة مرات، كما اعتُدي عليه وعلى طلبته بالضرب في مسجده، وعندها ضعفت مقاومته للمد الإيراني ولان جانبه تجاههم أمام الهجوم المتواصل عليه من متطرفي السلفية والإخوان، إلى أن تم اغتياله في العملية الانتحارية التي تبنتها داعش أثناء أدائه خطبة الجمعة في مسجده مع عدد كبير من المصلين.

 

** فضيلة العلّامة المجتهد السيد محمد بن محمد المنصور من أهم المراجع الزيدية في عصرنا، بل هو أعلاهم بعد رحيل أقرانه من أمثال العلّامة مجد الدين المؤيد.

وهو معروف لدى من عرفه في صنعاء بزهده في الدنيا ومناصبها بالرغم أنه كان من المرشحين لحكم اليمن في مرحلة من المراحل فأعرض عن ذلك، كما أنه معروف برقي أخلاقه، وعظيم تواضعه، وقلة حديثه في غير علم أو ذكر.

مع اتصافه بالإنصاف العالي وسعة أفقه في استيعاب

 

الاختلاف وتقبل التنوع، وقد أخذ عن عدد من علماء السنة الشافعية إلى جانب أخذه الأساسي على كبار علماء الزيدية، حتى أن كاتب هذه السطور. عندما استجازه في مروياته بدأ بإجازة علماء الشافعية له كالعلّامة ابن عبيد الله وابن شهاب قبل أن يذكر مروياته عن مشايخ مذهبه، وهذا من رقي أخلاقه حفظه الله، مما جعله مع السيد حمود بن عباس المؤيد محل احترام وتبجيل لدى مختلف التوجهات الموافقة والمخالفة في اليمن باستثناء من اشتد تطرفه ففجر في الخصومة.

 

والسيد محمد المنصور الآن قد تجاوز المائة من عمره وليس له التفات إلى ما يشتغل به الناس من أحداث بل هو في فراشه مشتغل بذكر الله تعالى، وكل ما يُنشر على لسانه من مواقف سياسية وهجوم على الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس له نصيب من الصحة وليس له أدنى صلة بإسلوب خطابه بل هو من اختلاق من يكتب وينشر.