الدان الحضرمي

2015-10-22 09:39
الدان الحضرمي
شبوه برس - متابعات - وادي حضرموت

 

مـــاهو الدان ؟؟

 

الدان الحضرمي هو نغمات موسيقية وإيقاعات فنيه مطربة تطرب الروح وتبعث على الشجن وهو اكثر انتشارا في حضرموت لأنه يعبر بصدق عن احساس الناس وامانيهم وتطلعاتهم وهمومهم وآلامهم وشعورهم العاطفي

وتنطلق مع توقيعات الحانه وتقاسيمها الغنائية المنسابة الكلمات الرقيقة العذبة والمعبرة فالدان نغم ولحن له صفة قديمة لدى كل فئات طبقات المجتمع الحضرمي وهو نوع من الشعر المغنى بالفاظ وأوزان غير مقيده بما يقوله النحاه ولقد سموه في الاندلس بالموشحات وسماه الحضارم الدان

وفي اللغة يأتي معنى الدندنة بهيمنة الكلام ودندن فلان نغم لا يفهم منه كلام فإن لفظه ما يدل عليه الدان يمكن ان يكون الى الهمهمه والتنغيم وليست الى الشعر وبهذا يكون الدان هو الأصل وليس الشعر اصل الدان وتجمع المعاجم على ان الدندنه هي نغم فلفظة دان بحروفها الثلاثه تدل على نمط معين من الالحان يسبق الهمهمه والتي هي في الأساس التحضير للنغم وتحديد اللحن فيما بعد فحين ينطق المغني الثلاثة الحروف ..د..ا..ن...(دان) فهذه الحروف الثلاثه هي مقدمة استطلاعية وتحضيرية لإستكمال بنية اللحن ليأخذ دورته الكامل في مصهر الألحان ويتشكل منها بروز اللحن الجديد له خصائص موسيقية ثم ينطلق الشعر مربوطا بألحان الدان

ويقال لذلك اللحن في حضرموت فن الدان اوصوت الدان

 

وقد جاءت لفظة الدان في كثير من اشعار الشعراء الشعبيين في حضرموت منهم الفقيه الشيخ عمر بن عبدالله بامخرمة المتوفي سنة تسعمائه واثنان وخمسون هجريـه الذي يقول مستبديا بالدان

 

دان يامطربه فإني على دانش اطرب

روّقي فيه خلينا من الصافي اشرب

فاني لي في الغناء مذهب وللناس مذهب

 

ويقول

 

يامطربه دندني بالدان يامطربه

غني بصوتش وشلي ابياتي المعربه

 

وغيرها من اشعار يامخرمة الحافلة بذكر الاستهلال بالدان

 

والدان الحضرمي أول ما يبدأ بالهمهة والنغم ثم تأليف ووضع اللحن وترابط أجزاؤه بتفعيلة ( دان ) ومن هذه الثلاثة الأحرف والتي قد تختصر في النغمة أوتتطول أو تمد فإنها تبقى التفعيلة الجذرية لأصل نغمات وألحان الدان ..

 

ويجب ان نعرف ان الدان الحضرمي نغم ولحن له أصوله وجذوره وتفعيليته التي بقيت في محيط اساسه الأول منطلقا من الدندنة والهمهمة في تأليف اللحن ثم تأتي دور الكلمة الشعرية التي يقولها الشاعر ثم يأتي دور الغناء بعد تحديد اللحن

 

وهو فن قديم اصيل لم تدخل في إدائه اية آلة موسيقية مما يعطي الدليل الواضح على قدمه وأصالته وإن كانت بعض الحانه في الأربعين سنة الأخيرة طوعت للأدائه بالآلات الموسيقية ولكن هذا التطويع جاء بعد بروز اللحن لفن متعارف عليه اصلا هو(الدان)

 

وتؤلف اجزاء نغمات الدان ويقال لها تلحين أوصــوت ويأتي كله ضمن اطار الكلمات الشعرية المقيدة بهذا الإطار ويبدأ (بالفصل ) كما يقال له والفصل هوربط الكلمات الشعرية ببعضها البعض في اطار يحدد الوقوف عند كل مقطع بالقافية والوزن . والفصل مأخوذمن الحاجز بين الشيئين وهو يفصل بين القولين في نظم الشعر

 

وفي الدان بعد احكام النغم واللحن يأتي دور الشاعر ليقول فيبدأ بالفصل ويبدأ الفصل كقول الشاعر خميس سالم الكندي

 

ذا فصل والثاني سمر ياسعيد ذكر كل عاشق

الدان يومه حرفة العشاق

الدان خطتهم ومنبتهم وله زاعق وناعق

 يتذكر النغمات كل عاشق ومعشوق

 

أوكما يقول الشاعر عايض بلوعل

 

ذا خرج فصل والثاني إذا جات زله

من ضنينك رمى قلبك بها وانت غافل

لا تعامله بالزلات خـله

غض واصفح ** وقله ياضنيني كفانا حسبك الله

 

 

وقول الشاعر ناصر بن يسلم بن ناصر

 

ذا فصل والثاني سمر ياعاشقين الدان

 ياسامعين الصوت جمع الاهل والاخوان

ياضيق حالي باتنسم ** ذي تحياتي لكم ياللي تسمرون

 

وقول الشاعر مستور حمادي

 

ذا خرج فصل والثاني تشوقنا الخضيره

لي خضرت قلبي الميت بها خضر

قتلتنا خذت عمري بالحيا ياغصن ضيره

سبحان ربك اخلقك وانشاك من طين

 

وقول الشاعر سالم العيدروس

 

ذا فصل ياالعشاق

خوضوا بحور العشق ياكل عاشق

ما ضاع في العشقه لكم با تلحقونه

هاكم مقاله علم كل مطرود ملحوق

 

 

المعروف عن الدان الحضرمي خروجه عن دائرة أبحر الشعر الـ 16 بحرا وخروجه ايضا عن نطاق أبحر الشعر الحميني والتي تقابل ما يماثلها في الشعر العربي والدان مع خروجه عن نطاق الشعر الحميني غير انه يسير في دربه من حيث التسكين وعدم الإعراب

وهناك تقارب بين الموشحات الأندلسية والدان الحضرمي من حيث ان الموشحات كما أوضح ذلك المؤرخ ابن خلدون بانهم ينظموها أسماطا واغصانا واعاريض وإلتزاما بالوقوف عند تلك الأغصان

 

وفي فن الدان الحضرمي ينظمونه اسماطا وأغصانا واعاريض والتزاما عند القوافي بل يبلغ الإلتزام فيه بلزوم ما لا يلزم في الشعر

وكذلك فان الموشحات خرجت عن نطاق قيد ابحر الشعر وعن دائرة النحاة والإرتباط اللفظي . كما إن الدان خرج ايضا عن قيد ابحر الشعر وعن دائرة النحاة

 

وينسب البعض من المؤرخين الموشحات الى انها فن اهل اليمن وانها هاجرت الى الأندلس مع اليمنيين ثم عادت الى اليمن في القرن السادس الهجري واشتهر في ميدانه محمد بن احمد فليته عام721هـ وله ديوان شعر بمكتبة صنعاء والمزاح بن عبدالله المزاح وغيرهم وفي القرن العاشر برز الشاعر محمد بن عبدالله بن شرف .

 

وإذا كان اصل الموشحات من اليمن فإن اصل الدان بحضرموت وهو قديم وقد يكون معروف قبل القرن الثالث الهجري وفن الموشحات وفن الدان الحضرمي مترابطان ترابطا جذريا فالتفعيلة في الفنين والمنهجين ضرورية الوجود والترابط والإلتزام موجود والخروج عن قيود النحاة موجود والخروج عن ابحر الشعر ايضا موجود

 

يقول ابن حماد الأندلسي

 

بدر تم*** شمس ضحا *** غصن نــقــا *** مسك شم

ما أتم*** ما أوضــحــا *** مــا أورقــا *** مــا أتــم

لا جرم *** من لمــحـا *** قــد عشــقا *** قـد جرم

 

 

ويقول الأعمى الطليطلي

 

ضـاحك عن جمان *** ســافر عن درر

ضاق عنه الزمان *** وحواه صـــــدري

 

وقد نهج الشعراء في حضرموت نهج الموشحات الأندلسية ويقول ابوبكر بن عبدالله بن شهاب

 

يامعسجد الخــدود *** باهي الجمال

مهفف القد ***املد اللدن*** بالإعتدال

قد جاوز الحد*** بحسنه الحسن *** وبالكمال

فتان أغيد*** بحسنه فتن *** وبه تكالي

عذب اللما الحال*** حبه حلالي*** بلبل هو بالي

فصار بالي ***وضاق منه حالي*** فما إحتيالي

 

ويقول الشاعر عبالصمد باكثير في القرن العاشر الهجري

يافائق الملاح *** ياخشف يارداح *** يامائس القد الرشيق

عشقي ظهر وباح *** وليس من جناح *** قلبي حمل مالا يطيق

خمر الهوى مباح *** يسكر بغير راح *** فسل همك بالرحيق

 

وكانت هذه الكلمات وغيرها للشاعر عبدالصمد باكثير تغنى في حضرموت في القرن العاشر الهجري

 

ولنا مدخل في هذا البحث عن الدان الحضرمي في القرن العاشر الهجري

 

تطرقنا سابقاالإرتباط بين الموشحات والدان الحضرمي ومن المؤكد ان غياب التدوين للتاريخ في حضرموت اوجد حلقات مفقوده امام اي مؤرخ أو باحث لتاريخ حضرموت وفنونها ولكن اقدم النصوص التي في إيدينا تعود الى القرن العاشر الهجري وهي قصائد للشاعر عمر بن عبدالله بامخرمه المتوفي في سيئون سنة 952هـ وقصائد الشيخ عبدالصمد باكثير المتوفي سنة 1025هـ ولا نعلم عن تلك التلاحين التي كانت تغنى في تلك العصور وقد تكون مختلفة على ماهي عليها الآن ولكن القصائد التي دونت في القرن العاشر كانت ذات تتقاطيع ثنائية وارتباطها بتفعيلة الدان يقول بامخرمه

 

ياقضيب الذهب

  شنف لي الكأس بشرب

لا تخاف العتب

  مافي التخلاع معتب

انته سيد العرب

 من شب منهم وشيب

في عيونك سبب

  تسبي الخواطر وتنهب

 

وايضا هناك من الافتتاحيات لقصائد بامخرمة تجعل من الدان المدخل اليها كقوله

 

دان يامطربه فإني على دانش اطرب

رددي فيه خلينا من الصافي اشرب

 

ويقول

 

دان يامدحجي والفتح ياتي بلامداد

دان يامطربه فانه مدامي وكأسي

 دندني واستديري في جميع المراسي

دان ياسالم ان الدان لي فيه معنى

 

دان يابازياد انه دنا القلب للدان

دندن الله يدني لك جنا الجنه الدان

 

يابوعوض حكم المغنا

وشل صوتك وقل يادان

 

ومن هذه المقتطفات من قصائد بامخرمه تتكون لنا صوره واضحه عن الدان ما قبل خمسة قرون إذكان الدان هو الفن اكثر ديوعا وإنتشارا وكفن له عشاقه وموروث متوارث عبر القرون التي خلت قبله غير اننا نجهل ما إذا كانت عليه تلك الألحان في تلك العصور ولن يستطع التطور العلمي في البحوث ان يجزم لنا عن ماهية تلك الألحان ولكن إذا كنا نسمع اليوم الحانا من اغاني الدان مضى عليها أكثر من قرن من الزمان وتردد في اوساط عشاق هذا الفن فلابد ان يكون هذا الإرث الفني ينتقل بين الأجيال عبر تواصلها

 

ان الغناء اساس الشعر عند العرب ومن اجل ذلك عبروا عند القائه بالإنشاد فقيل فلانا <انشد شعرا > والحداء الذي يحدون لإبلهم كان في ذاته غناء شعبيا عاما

 

  • أبو عوض الشبامي – سقيفة الشبامي