وطني وسلسلة المحن

2015-02-25 04:22

 

كنا في في حديث مع زميل كندي - شرق أوسطي الثقافة - تعرفت عليه منذ ايام دراستي لـ اللغة الانجليزية في كلية -موهوك - الكندية ، وهذا الزميل يحب بل تيمته القراءة في احوال العرب بل ويهتم بأخبار الشرق الاوسط ، ويحب العرب من خلال ما يقراءه عن تاريخ هذه الامة بل أنه فُتن بتراجم وشروح عن شعرها الجاهلي .

 

ومن قرأ لهم صديقي الكندي المفكر ابن خلدون -الحضرمي- وابن رشد ،وقرأ في المذهب الصوفي وهو المذهب الذي فتح به -الحضارم-  الارخبيل الاندونوسي وليس -الاندلسي - فصارت اكبر دولة ثابتة وقائمة واسلامية متعايشة في العالم ، فٌتحت بدون فرسان او سيوف او جحافل جيوش فاتحة زاحفة حجبت أرماحها وراياتها ضياء الشموس!!

 

وقد قال انه قرأ ان العرب هم من احكم الأمم واكرمهم وأخلصهم للجار والامانة ، وان لغتهم المتفردة الحكمية والادبية والانسانية ، قد تمنّى ان يتعلمها كبار المفكرين والعلماء ومنهم العالم -إنشتاين- كما اسهب وقال، تأملت في اخلاقهم وقيمهم منذ بدايات نشأة حياتهم في الصحاري واضاف انها -سِفر- عظيم من قيم انسانية ضاربة في عمق تاريخهم الثري والانساني .

 

واضاف اقرأ تراجم لاشعار وشعراء الجاهلية . وهي سميت مجازا الجاهلية ،ويقول لقد صعقت ل مستوى الرقي الادبي الرفيع والوعي الانساني، ولو عدت الى قصائد و خطب -سوق عكاظ- لكانك تقراء اليوم مأثرة انسانية. بديعة واضاف قرأت عن كرمهم بل وكيف يجيرون المظلوم ويحمون العرض ويذودون عن الشرف ويذمون الجبن والبخل والنميمة  وسوء الخلق ويكرهون الظلم والتظالم ويهبون لنجدة الملهوف واكرام الضيف،

 

وأفاض انهم اي العرب اكرموا الموالي والعبيد وعلموا الجواري الشعر والادب والغناء، وكانوا العبيد ياكلون مع مولايهم وملوكهم وأمرائهم ويلبسون مثل ملابسهم بل ويستشارون في شئون الحكم والرعية .بينما امريكا والى قبل نصف قرن كانوا يعاملون السود كطبقة منبوذة.

 

وعن ادبهم وشعرهم اضاف انه لو تٌرجم ،هذا الشعر -الجاهلي - المٌترف الرائع الحكمي لادهش العالم لما يحتويه من ترف لغوي يصور اللوحات الشعرية الانسانية والحكمية البالغة العمق و التاثير.

 

وعن شعر الرثاء في الادب العربي ، اضاف لم يجد علماء الادب الى اليوم لغة كاللغة العربية تستوعب وتصور الحزن والوجع الصادع الدفين وكيف ومن قاله بهذا الحزن والعمق والجزالة والجمال -بدوي- ! بل وتحدث عن الشعر -العذري- العفيف وكيف ان قائله ذلك المُترحل الجائع في اصقاع صحراء قاحلة مُضجره بخيلة ولا يؤنسه فيها الا صوت الذئاب وازيز الرياح . واضاف كانوا يعيشون -محنهم- فتلهمهم تلك المحن تماسكهم وتصقل مشاعرهم وشاعريتهم وترسخ تراحمهم .

 

توقفت عند قوله -محنهم  وتعني بالانجليزية - -ordeals - وهي تعني ماساة او مصيبة ايضا ، فقلت في نفسي هو قراء عنّا وعن تاريخنا ولم يعش بيننا ليرى مآسينا اليوم، فقد تغيرت الاخلاق والقيم الافكار، وسادت الشحناء والضغائن واصبحنا نفتك ببعضنا ،وصارت مدننا تسكنها اشباح الليل والقتلة المأجورين ولا شيء في وطني اليوم الا ملامح الفاجعة، فقد ساد في وطني الانتقام والجور والحقد الديني الأعمى والتلذذ بالذبح والإحراق .

 

ماذا في وطني ليمتدح هذا الكندي المثقف البريء ماذا بقي من وطني اليوم .اعدت السؤال مرة اخرى وقلت اشرح لي وهل بعد ما تتابعة من مواجع وفواجع هل لا زلت مصرا على هذا الاعجاب ؟

قال لقد سافرت الى دول في افريقيا فوجدتها غير انسانية ولم يبراء من توحش الافارقة وقساواتهم ألا الشمال الأفريقي ،لان من استوطنها هم العرب،وكذلك هناك بلاد افريقية سلمت من هذا التوحش وهي الحبشة والى حد ما كينيا وهاتين الدولتان من اجمل بلدان الدنيا وكلاهما بتاثير او بملمح عربي بل يمني .وعن جنوب افريقيا قال هي ليست افريقية فهي اوربية الثقافة والنظام وهي استثناء لا يقارن ابدا بل يُثبِّت القاعدة .

 

واضاف لقد قيل لي ان ثقافة -الأحباش- ممزوجة بثقافة العرب وهي الى اليوم بهذا التناغم بسبب هذا المزج الثقافي الرائع، واستطرد ان تاريخ الحبشة وملامح الحبشة وسلسة اباطرة الحبشة هم  جنس -خلاسي- اي -يمني- حبشي- ونوه بمملكة -اكسوم- وملكة بلقيس واقامتها في الحبشية فحضارة -اكسوم منقولة عن اليمن بل وان لغتهم الامهرية وخطهم الى اليوم هو خط المُسند. اليمني ، واضاف لقد زار جزر القمر وهي ايضا كما علم ،ان من سكنها هم العرب وتحديدا من حضرموت وقال ان قومها هم ارق من تعايش معهم في الدنيا .

لم اضف بل قلت نحن كذلك ، وفي قلبي تموج غصات وان ارى وطني كوجه الفاجعة.