‘‘ مانيفيستو‘‘ سعودي

2014-10-15 10:13
‘‘ مانيفيستو‘‘ سعودي

عبدالله حميدالدين

 

نحن في منعطف تاريخي. نُدفع بسرعة نحو تغيّرات عالمية وإقليمية، ستتضاءل أمامها التغيرات التي شهدناها في السنوات العشرين الماضية. نحن اليوم لا ننافس في العالم. نحن فقط نعطي الآخرين ما لدينا من موارد طبيعية ثم نستهلك ونشاهد. ولكن هذا لن يدوم. سنضطر إلى المنافسة، وحينها يجب أن نكون مستعدين كسعوديين، وطناً ومجتمعاً واقتصاداً وأفراداً. ما يأتي هي أفكار أحسبها أساسية لاستعدادنا وطناً لتلك المرحلة. لا أتناول أي شيء عن استعدادنا الفردي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. فقط أفكار عن نظرتنا إلى وطننا وعلاقتنا به وعلاقته بالعالم بما يمكّننا من الاستعداد وطنياً لمرحلة مقبلة.

الفكرة الأولى: نحتاج إلى أن نستوعب معنى كوننا بلداً ريعياً. وطبعاً ليس عيباً أن نكون بلداً ريعياً. والأهمية تأتي من كون الريعية تحدّد، بل تشكّل، معظم التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية في البلاد. ومن الصعب أن نفهم أنفسنا مالم نفهم هذه الفكرة جيداً. نحن بلد ريعي تملك فيه الدولة الموارد الأساسية وتوزعها على المواطنين من خلال المشاريع والوظائف والهبات والقروض والعطايا المباشرة بحيث تنتج علاقة اعتماد نحو طرف واحد: المجتمع ورأس المال يعتمدان على الدولة. وأي حديث عن تطوير التعليم أو التوظيف أو القضاء أو مكافحة الفساد أو محاربة الجريمة أو حقوق الإنسان أو الإصلاحات لا تكتمل إلا على خلفيّة فهم أننا دولة ريعية. نحتاج إلى أن نفهم نقاط الضعف والقوة الكامنين في كوننا دولة ريعية بحيث ننطلق من نقاط القوة ونحاول الالتفاف على نقاط الضعف.

الفكرة الثانية: أن أهم ما تسعى إليه الشعوب هو الأمن والعيش أولاً وقبل كل شيء. والأمن يعني ألا أخشى الدولة، ألا أخشى الجريمة، ألا أخشى وقوع عنف عشوائي عليّ. الأمن يعني أنّ هناك من يحميني ومن ينصفني. أما العيش فأن أجد قوت يومي وأن أستطيع تعليم أولادي ومعالجتهم وتوفير ضرورياتهم وكمالياتهم. هذا أهم ما يريده الناس. بل هذا أهم ما يحقق كرامتهم وعزّتهم. وهذا قد يبدو بديهياً لبعضهم، ولكن - كما تشاهدون - سرعان ما ينساه الكثير من المصلحين والمفكرين والمثقفين ويستبدلون الأمن والمعيشة بشعارات ومثاليات.

الفكرة الثالثة: مركزية الوطن. لقد عشنا مرحلة طويلة من عمر السعودية، ونحن نعتبر إن قضايانا المركزية هي «غير السعودية». الأمة - عربية أم إسلامية - أكثر حضوراً في الوعي من السعودية. القضية المركزية كانت فلسطين أو أفغانستان أو البوسنة أو العراق أو كلّ هذه القضايا، ولكن لا نسمع من يقول القضية المركزية هي السعودية وتحدياتها. ولا أقلل من شأن تلك القضايا، ولكنها ليست مركزية. ليست الأولوية. تلك قضايا إنسانية ودينية وسياسية بالنسبة إلينا بلا شك. ولكن الوطن أولاً وهي ثانياً.

الفكرة الرابعة: الحكم الفردي الخيّر أو العادل. هذه الفكرة حسّاسة بعض الشيء. وتُطرح في الأدبيات السياسية الغربية والشرقية بعنوان «المستبد الخيّر أو العادل أو المستنير». وحساسيتها في أنّها تثير حفيظة كثير من المثقفين والنشطاء الذين يؤمنون بأن مجرد الحديث فيها يشكك في مشروعية مطالبهم بالمشاركة السياسية. إن المؤمنين بالديموقراطية أو الملكية الدستورية لا يرضون - مجرد تخيّل - وجود حكم فردي خيّر أو عادل. الوضع بالنسبة إليهم إما مشاركة سياسية وإما ظلم مطلق، ويصرّون على القول بوجود تلازم ضروري بين الاستبداد وبين الظلم. كلامهم له وجه في دول غير ريعية. فاعتماد الدولة غير الريعية على رأس المال وعلى المجتمع يزيد من استعداد الدولة للظلم، ولكن في دولة ريعية فإن هذا الاستعداد يقل كثيراً.

إن التفكير في الحكم الفردي الخيّر مهم جداً لأكثر من أمر منها، أولاً: لرسم معالم نظرية للنظام السياسي الذي نعيش فيه ونطمح إليه. ثانياً: لتوسيع الخيارات السياسية الممكنة في خيالنا، فكثير منا يتعاملون مع الحكم الفردي باعتباره استثناءً في التاريخ المعاصر ويعتبر أن التطوّر الطبيعي هو فقط نحو المشاركة بالصيغة الديموقراطية. وهذا تضييق للخيارات الممكنة في الممارسة السياسية. ثالثاً: لبيان إمكانية التنمية من دون ديموقراطية. فهناك من يؤمن بأنه لا يمكن لأي تنمية أن تتحقق في ظل حكم فردي. وهذا تصور شائع إلى حد كبير، ويدفع بعض الناس إما نحو اليأس وإما نحو خيارات سياسية تغييرية جذرية. ولا بد من التعاطي معه ومراجعته.

الفكرة الخامسة: المشاركة السياسية قد تكون مضرة ببعض الشعوب. قبل ثلاث سنوات لم أكن أتصوّر أنه يمكن أن يصدر مني مثل هذا الكلام. ولكن تغيّر موقفي لأمور. أولاً: المشاركة السياسية ليست غاية لذاتها وإنما وسيلة لتحقيق الأمن والعيش. وفي الدولة الريعية يمكن تحقيق ذلك من دون نظام ديموقراطي أو مشاركة سياسية. ثم ان بنية نظامنا الريعي تخلق حوافز سياسية لا تتناسب مع الحوافز المطلوبة لإنجاح العمل الديموقراطي. ثانياً: أنَّ المجتمع السعودي نشأ لأجيال على ثقافة دينية من نوع معيّن، تجعله يميل إلى نمط معين من الحياة. كما تجعله رافضاً لقيم الليبيرالية السياسية التي هي الشرط الحيوي للديموقراطية، ومن ثم فإن الديموقراطية اليوم تعني حكماً سيطرة فئة معينة لها تاريخ طويل في معاداة الحريات الشخصية وفي دعم الإرهاب والتطرف. ثالثاً: أننا لسنا في حاجة إلى تجارب سياسية في بلادنا. وضعنا ممتاز جداً في محيط سيّء جداً. والأَوْلى لنا الحفاظ على مكتسباتنا بدل الخوض في تجارب تدخلنا في فوضى.

الفكرة السادسة: علينا التخفيف من التحليل الديني لممارسات المجتمع السعودي. مثلاً كلما تكلمنا في الإرهاب ربطناه بالدين مع أن أسبابه أكثر تعقيداً، أو كلما فكرنا في التطرف فكرنا في الدين مع أن له أسباباً نفسية واجتماعية لا علاقة لها بالدين. وحتى لما نفكّر في البطالة أو الفساد نقحم التحليل الديني. علينا أن نعطي مساحة للتفكير في العوامل الأخرى.

الفكرة السابعة: ترتيب أولويات القضايا الوطنية وفق واقع السعودية الخاص. أرى أن قضيتَي الماء والأمن هما قبل كل شيء في السعودية، فهما مقوّما حياتنا وفي الوقت نفسه نعاني من نقص حاد فيهما. ثم تأتي الطاقة التي هي أساس نظامنا الاجتماعي والسياسي، لكنها في تناقص مستمر. هذا المثلث - الماء والأمن والطاقة - قضية وجودية يأتي بعدها إصلاح القضاء والتعليم والثقافة. ثم إصلاح مؤسسات الدولة وتطوير العمل الحكومي. ثم بناء هوية وطنية. ثم الإصلاح الحقوقي والسياسي. قد يرى بعضهم أن قضايا الإصلاح الحقوقي والسياسي يجب أن تتقدم. لكنها في واقعنا الحالي ليست مهمة جداً. ومع كل المآخذ التي لدى بعضنا على ممارسات الحكومة، إلا أنَّ وضعنا الحقوقي إيجابي في شكل عام ولا يتطلب أبداً منحه أولوية قبل القضايا الوجودية الأساسية.

 

 

* الحياة - كاتب سعودي

 

* "شبوه برس" - الكاتب والمؤلف الدكتور عبدالله بن محمد بن اسماعيل بن الأمام يحي بن محمد حميد الدين - ملك المملكة المتوكلية اليمنية