الاهتمام الدولي بقضية الجنوب بين دوافع المصلحة ورغبات التفتيت.
د عبدالله محمد الجعري
السعي الحثيث والخطى المتسارعة من قبل دول الجوار الخليجي بشأن الجنوب وأن جاء متأخراً لكنه ليس غريباً على الإطلاق وأن لم يخلو من ريبة أو شك ومع هذا فلنحسن الظن بإخواننا في الجوار الخليجي ولنقل أن ذلك تمليه مصالح مشتركة بيننا وبينهم دينياً وسياسياً وأمنياً وجغرافياً، هذا السعي الذي تكلل في الأسبوع المنصرم عن لقاء في السعودية جمع عدد من القيادات والشخصيات السياسية الجنوبية مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي وهذا بحد ذاته يعد تحولاً جذرياً في الموقف الخليجي تجاه شعب الجنوب وقضيته العادلة واعترافاً صريحاً بها وأن كان قد تأخر كثيراً ولكن لأن السياسة لا مواقف ثابتة فيها بل تتحرك تبعاً لوجود المصلحة فمن هنا أقول أن لهذا اللقاء أسبابه ودواعيه لدى هذه الدول من أبرزها خوف دول الخليج من التقرب الإيراني من الرئيس على سالم البيض وهو الأمر الذي لم تعـره دول الخليج في بادئ الأمر أية اهتمام يذكر ولكن التحولات الجذرية على الساحة الجنوبية وخاصة بعد مليونية 30 نوفمبر 2012م والتي خلطت الكثير من الأوراق على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وأظهـرت أن الحراك الجنوبي أكبر قوة فاعلة على الساحة الجنوبية وأن التيار المنادي بفك الارتباط هو الأكثر تأثيراً في الجنوب وهو ما أجبر دول الإقليم على مراجعة حساباتها والرضوخ لإيجاد حلول من قبلها للقضية الجنوبية تتضمنها مبادرة خليجية جديدة بعد أن أغفلت هذه الدول قضية الجنوب في مبادرتها الأولى بشأن حل الأزمة بين أطراف صنعاء.
ومع أن هذه الدول ترى أن الحل الناجع لمشاكل اليمن يكمن في تطبيق المبادرة الخليجية وفي مؤتمر الحوار اليمني وبالمقابل تعلم هذه الدول أن البيض وتياره يرفض تلك المبادرة والخاصة بحل قضية أطراف صنعاء كما ويرفض أية حلول أخرى لقضية الجنوب غير حل التحرير واستعادة الدولة وهذا الأمر ـ التحرير واستعادة الدولة ـ لا زالت تلك الدول غير مقتنعة به في الوقت الراهن، ولأن دول الجوار الخليجي تعلم جيداً موقف الشارع الجنوبي وأن البيض يستمد قوته وتصلب موقفه من هذا الشارع وأنه يرفض كل ما يخالف رأى ورغبة وإرادة الشارع الجنوبي لذا فقد فضلت هذه دول البحث عن بديل جنوبي بعد أن عجزت عن استمالة البيض إلى صفها على أن يكون هذا البديل أكثر قرباً منها وأقل تشدداً من البيض، فكان لقاء الرياض والذي حاولت فيه دول الخليج إقناع الجنوبيين بدخول الحوار الوطني في صنعاء، وأن حل قضيتهم سيكون عبر هذه البوابة ولكن خاب ظنها في هذا البديل وفوجئت هذه الدول أن كثيراً من الشخصيات التي حضرت اللقاء تصر على حق الجنوب في التحرير واستعادة الدولة وكأن دول الخليج تقول لنفسها كأنك يا أبو زيد ما غزيت، فلقد جاءت النتائج عكس المأمول والمتوقع والمرتجى وعكس ما أرادت دول الخليج من هذا اللقاء الذي كان الهدف منه بحسب اعتقادي إيجاد بديل لسحب البساط من تحت أقدام البيض وتياره المطالب بفك الارتباط عن صنعاء (عسى أن أكون مخطئاً في ما ظننت في الأشقاء) وما علمت الرياض وأخواتها في الخليج أن البيض يستمد قوته وتصلب موقفه من الشارع الجنوبي وما البيض وغيره من القيادات سوى أدوات تنفذ رغبات الشارع الجنوبي وأن أي منهم سيخالف ذلك سيكون مصيره النبذ ومزبلة التأريخ، لأن الشعب في الجنوب لم يعد الشعب التابع للقائد الهمام والمغوار بل صار هو الشعب الصانع للقادة ليعبروا عن إرادته ويسقطهم ويلفظهم بعيداً إذا ما خالفوا رغباته وتوجهاته، ولو أن دول الخليج تنازلت قليلاً عن بعض من كبريائها ووقفت في صف شعب الجنوب لكان خيراً لها وأسهل بدلاً من اللهث وراء صنع زعامات وكيانات في الجنوب تابعة لها لا صدى لهم ولا جدوى منهم إذا لم يكونوا في صف الشعب الجنوبي ولخدمته.
وفي المقابل وعلى الصعيد نفسه هناك السباق على أشده بين بريطانيا وأمريكا على الجنوب، فبريطانيا ترى أنها أحق بالجنوب باعتباره أحد مستعمراتها السابقة ويشدها الحنين إلى أيامها الخوالي في عدن في حين ترفض أمريكا ذلك وترى أنها هي الأحق من غيرها بالجنوب وكل هذا السباق أساسه المصالح والتي قلت أنها المتحكمة في المواقف والرؤى السياسية من حيث التغير والثبات ويكفي مصلحة لهذا السباق المحموم ما تحتله عدن من موقع متميز إضافة إلى الثروات النفطية والمعدنية المكتشفة وغير المكتشفة في الجنوب.
لكن السؤال هنا: هل هذا التباين والاختلاف في المواقف بين دول الخليج من جهة وبريطانيا وأمريكا من جهة أخرى هو اختلاف حقيقي أم أنه مصطنع ومسرحية هزلية جديدة بهدف تفتيت وتجزئة الحراك الجنوبي لخدمة صنعاء، لأن هذه الدول وبالذات الخليجية وعلى رأسها السعودية لو كانت جادة في حل قضية الجنوب فما المانع من التقرب من البيض كونه الشخصية التي تلتف حولها غالبية الشعب الجنوبي؟
ولماذا استدعت شخصيات أخرى ولم تستدع البيض مع علمها بالثقل الذي يحظى به الرجل في الشارع الجنوبي، في حين تسابقت على كسب وده ورضاه كل من أمريكا وبريطانيا وكأن هناك تقاسم أدوار بين كل تلك الدول. عموماً كل شيء في عالم السياسة وارد وليس بمستبعد والأيام القادمة كفيلة ببيان ما خُفي وما طواه الليل بستره فضحه النهار بصبحه وإنّا لهذا الصبح لمنتظرون أوليس الصبح بقريب؟.