عاتبته عندما خرج من مؤتمر الحوار واعلن انسحابه, وقلت له لماذا لم تمارس حقك في الاعتراض من الداخل وانتم كجنوبيون لكم 50% من مقاعد المؤتمر, اتحدث عن أحمد بن فريد الصريمة, الشيخ القبلي والسياسي الجنوبي والتاجر والمستثمر المعروف اقليمياً, قال لي: شاب رأسي من العمل السياسي وعرفت الباب من العنوان هذا المؤتمر لن ينجح واذا نجح على المستوى النظري سيفشل على المستوى العملي.
قلت له: ولماذا أنت متأكد هكذا؟, قال: لا يمكن لأي حوار أن يكون ناجحاً الا اذا وجد تكافؤ حقيقي بين القوى المتحاورة إضافة الى ضرورة وجود حكومة تُمثل تلك القوى وتعمل بالتوازي مع مؤتمر الحوار وتعزز من فرص نجاحه, لكن مع هكذا حكومة يستحوذ عليها نفس مراكز القوى التي أوصلت البد الى ما نحن فيه, ويتم من خلالها استكمال عملية الاستحواذ -التي بدأت بعد حرب 94م- على مؤسسات الدولة وأموالها, وبنهم وجشع أشد من ما كان حاصل فلا فائدة من أي حوار يجرى, وسيكون الحوار مضلة فقط لهكذا ممارسات, وفي النهاية سيحصل انهيار للعملية السياسية برمتها وقد يحصل انهيار للبلد وأنا لا أريد أن أكون حتى شريكاً في تلك المظلة.
هذا الحوار -مع بعض التصرف- دار بيني وبين الصريمة بالتلفون بعد مغادرته لليمن, حيث تواصلت معه لأسأله عن أسباب إعلانه الانسحاب بحكم أني كنت زميلاً له في فريق القضية الجنوبية عندما كان يرأس الفريق, وبعد انسحابه تم اختيار محمد علي أحمد القيادي الجنوبي المعروف رئيساً للفريق الذ يظهر أنه وصل الى نفس قناعة الصريمة متأخراً, لكنه حاول المقاومة من داخل المؤتمر الا أنه تم اقصائه من المؤتمر واحداث شرخ في مكونه, عندها تذكرت نصيحتي للصريمة بأن يقاوم من الداخل وعرفت أنه لو طبقها لخرج من المؤتمر مرغماً بدلاً من خروجه من تلقاء نفسه.
الأهم في حديثي مع الصريمة أنه تنبأ باكراً ليس بعدم جدية الحوار بل بأن العملية السياسية ستنهار كلياً, وتوقع ان يعقب ذلك انهيار للبلد, تساءلت اليوم وأنا أتصفح بعض الأوراق المتعلقة بمؤتمر الحوار التي في مكتبي وجدت نسخة مصورة من بيان انسحاب الصريمة وتذكرت ذلك الحديث الذي جرى بيني وبينه وكيف أني تأثرت بالحملة التي شُنت عليه وقتها من البعض واتهموه بشتى التهم, ولأني لا اعرف الرجل وتاريخه لا أخفيكم أني لم أبذل جهداً للبحث عن مدى صحة تلك التهم التي وجهة له وربطت انسحابه بأجندات خاصة, وتذكرت العيش والملح الذي بيننا في قاعة القضية الجنوبية ورأيت أنه من الواجب علي كتابة تلك الوقائع بغض النظر عن خلافي مع الصريمة حول بعض ما طرحه في تلك المرحلة, وبالأخص ما يتعلق بمواقفه من الحزب الاشتراكي التي هاجمته بسببها عندما القيت كلمتي في الجلسة العامة وكان هو على منصة الرئاسة وكان يستمع الى هجومي عليه وهو مبتسم.
باعتقادي أن عمل الصريمة كرجل أعمال واحترافه تلك المهنة هي ما جعلته يتنبأ بما حصل, فالسياسي عندما يكون رجل اعمال أيضاً فانه لا يحب المراوغة ويميل الى الوضوح في العمل السياسي كالوضوح الذي في العمل التجاري المعتمد على لغة الأرقام لا على الوعود الفضفاضة, لذلك غادر الصريمة المؤتمر لأنه عرف أن الوقت الذي سيمضيه في المؤتمر لن يكون مفيداً له ولا للقضية الجنوبية التي حملها.
بحثت في النت عن أي كتابات او احاديث للصريمة علي استشف منها بعض مواقفه, ووجدت رسالة بتاريخ 6 فبراير 2013م بعث بها من سويسرا الى الرئيس هادي, وتقمص فيها شخصية الرئيس وأصدر قرارات جمهورية, وكان من ابرزها اخراج عشرات الأسماء من اليمن من المحسوبين على مراكز النفوذ التي حكمت البلد لعقود وأوصلته الى ما وصل اليه, كما انه طالب في رسالته بإقالة حكومة ما يسمى بالوفاق –بحسب ما ورد في الرسالة- وطالب بتشكيل حكومة تكنوقراط لا ينتمون لأحزاب أو تكتلات سياسية, إضافة الى جملة من المطالب المتعلقة بمكافحة الفساد وإعادة الحقوق للمتضررين من الجنوبيين بعد حرب صيف 94م, وكذلك جملة اجراءات لتصحيح أوضاع البلد المالية والاقتصادية وسحب الامتيازات التي تمتع بها البعض والتي استحوذوا من خلالها على ثروات البلد النفطية والمالية.
صحيح أن القرارات الجمهورية التي أصدرها الصريمة في رسالته تلك متقمصاً شخصية الرئيس هادي جيده في غالبيتها وفي صالح اليمن ولم تكن في صالح الجنوب فقط, وتعكس ما ورد في النقاط العشرين, لكن الواقع الذي كان يمر به الرئيس هادي وقتها صعباً للغاية, وتوازن القوى حوله مختلاً, ومع أنه كان في قدرته اصدار بعضها لكن كان من المستحيل تنفيذ البعض الآخر كونه محكوماً بالمبادرة الخليجية وهي الشرعية التي أوصلته الى السلطة وكان من المستحيل عليه وقتها الانقلاب على بعض ما ورد فيها, لكننا لا ننكر أيضاً أن تردد الرئيس وتأخر قراراته في الكثير من الأحيان أدى الى ما تنبأ به الصريمة من فشل للعملية السياسية برمتها والتي قامت على المبادرة الخليجية كونها لم تستوعب القوى الجديدة مثل الحراك الجنوبي وأنصار الله الحوثيين.
هل نستذكر رسالة الصريمة اليوم ويصدر الرئيس تلك القرارات –أو ما يصلح منها للمرحلة الحالية- بحكم أن الأوضاع الآن مُهيأة لهكذا قرارات جريئة وقوية ولهكذا إصلاحات اقتصادية جذرية طالب بها شخصية سياسية ورجل اعمال ومستثمر معروف صاحب خبرة واسعة؟.
* "نقلاً عن صحيفة الأولى" 1 / 10 / 2014م