أزمة الثقة وسياسة التصفيق

2014-09-09 06:46

 

هل يعقل أن تدخل البد في حرب شاملة بسبب الف ريال زيادة في أسعار المشتقات النفطية, خصوصاً بعد التراجع عن خمس مائة ريال؟, هل المشكلة حقيقةً في الجرعة أم ان وراء الأكمة ما ورائها؟.

 

بالتأكيد أن الجرعة هي القشة التي قصمت ظهر البعير, لكن ليست المشكلة الرئيسية, الجرعة هي نتاج لكارثة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة والذي ارتفع وتيرته بشكل مُفجع منذ تشكيل حكومة باسندوة, حيث اعتبرت الكثير من الأطراف المشاركة في السلطة أنها أمام فرصة ذهبية للفساد وتغيير موازين القوى داخل أجهزة السلطة المدنية والعسكرية, وتحولت الدولة بكل أجهزتها الى غنيمة خلال الثلاث السنوات الماضية.

***

هناك أزمة ثقة حقيقية بين مختلف الأطراف السياسية, بدأت هذه الأزمة مع نهاية مؤتمر الحوار الوطني حيث ادارت السلطة البد بسياسية التصفيق منذ ذلك التاريخ, عندما لم تطرح مخرجات المؤتمر للتصويت العلني وعد الاصوات المؤيدة والمعترضة, وتم استبدال ذلك بالتصفيق للوثيقة دون ان نعرف كم النسبة التي حصلت عليها حتى اليوم, نفس الطريقة اديرت بها لجنة الأقاليم, وتدار بها الهيئة الوطنية ولجنة صياغة الدستور, ومؤخراً ما سمي بالاصطفاف الوطني.

***

سياسة التصفيق كارثية ويشاع أن الصديق أحمد عوض بن مبارك هو المايسترو الذي يديرها, تلك السياسة قد تحقق نصراً تكتيكياً في لحظة ما, لكنها لا تمنح شرعية ولا تمكنك من التعامل مع الواقع على الأرض, وسرعان ما تكتشف أن الهوة هائلة جداً بين الوهم الناتج عن التصفيق في الصلات المغلقة وبين الواقع على الأرض, لذلك تلاحظ أن صلاحيات رئيس الجمهورية –على الورق- هائلة في كل تلك الهيئات والمؤسسات منذ مؤتمر الحوار وحتى الآن إضافة الى أنه ترأسها جميعا, لكن عملياً فان صلاحيات الرئيس تتوقف عند حديقة الفرقة التي لم يتمكن من تطبيق القرار الجمهوري المتعلق بها حتى الآن, إضافة الى أن حزب الرئيس نفسه رفض المبادرة وتبرأ من توقيع بن دغر والبركاني, هذا في المؤتمر الشعبي وداخل العاصمة صنعاء, أما في المحافظات فان صلاحيات الرئيس تكاد تتلاشى وبالأخص في شمال الشمال إضافة الى بعض المحافظات في الجنوب.

***

هنا أتوجه بخطابي الى الأخ أحمد عوض بن مبارك: لا تزال في بداية مشوارك السياسي, وهذا –محاولة اقتحام ساحة شارع المطار- أول منعطف ستعرف خلاله خطأ تلك السياسة منذ الانقلاب على النظام الداخلي لمؤتمر الحوار وحتى الآن, والتي طالما حذرنا منها في أكثر من مقال وبُح صوتنا ونحن ندعوا الى احترام النظم واللوائح, واحترام القاعدة التي شارك على أساسها الجميع في مؤتمر الحور والتي تنص عل أن نكون “شركاء في الحوار شركاء في التنفيذ”.

 

الشراكة في اتخاذ القرار أخي أحمد امر مهم, قد تُصعب وتؤخر ولادة القرارات أو الاتفاقات السياسية, لكنها تُسهل عملية التطبيق على الأرض, بينما سياسة التصفيق تجعل الوضع جميلاً على الورق وعلى شاشة الفضائية اليمنية, لكنها في حقيقة الأمر تؤجل المشكلات وتراكمها حتى تنفجر كما هو حاصل اليوم بجانب سور وزارة الداخلية, وفي مداخل العاصمة صنعاء, وفي بقية المحافظات اليمنية.

***

عندما شاهدت التصفيق الحار ورفع الأيدي تأييداً لمبادرة اللجنة الرئاسية شعرت –وعلى عكس الكثيرين- ان البلد مقبل على أزمة حقيقية, فذلك المشهد قد يغري الرئيس بالاستمرار في سياسة التصفيق وفرض الأمر الواقع, معتقداً أن من صفقوا له في القاعة ممثلي الشعب.

تلك الصورة والمشاهد التي عُرضت ذكرتني بمشاهد التصفيق أيام صالح والتي أودت بالبلد الى ما نحن فيه حتى اللحظة, بل أن 90 ِ% من المصفقين لهادي في تلك الصورة هم أنفسهم المصفقين لصالح خلال مرحلة مهمة من مراحل حكمه.

 

وبالعودة الى الأزمة التي نعيشها اليوم فاني أرى حلها قريب جداً وفي متناول اليد, نحتاج فقط الى شخصيات حريصة على البلد تتبنى وساطة او تنظم حواراً بين مختلف الأطراف الفاعلية في السلطة والمعارضة.

***

الحل سهل لكن أزمة الثقة عميقة, إضافة الى عدم وجود ضمانات للتنفيذ, كل ذلك يجعل الوصول الى اتفاق أمر شبه مستحيل مع تخوف الأطراف التي في المعارضة أن تلدغ من جُحرٍ مرتين بسبب نكث السلطة لكل وعودها والتزاماتها السابقة, وبالتالي ستظهر الأطراف المعارضة أمام قواعدها أنها غير جديرة بحمل مطالب الشعب أو التعبير عن مصالحه, وأنها أطراف يسهل الضحك عليها مراراً.

 

طرفي الأزمة يتمنيان الحل, بل انهما ينتظرانه بفارغ الصبر من باب الشعور بالمسؤولية, ويكادان يصرخان طلباً لوسطاء أكفاء ونزيهين, لكن الأطراف المستفيدة والنافذة في الفساد تعرقل أي حل وأي تسوية, لأن أي اتفاق واضح وصريح ومزمن يُفضي الى معالجة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية قد يقوض مصالحها غير المشروعة وبالتالي يهدد كيانها ووجودها في الدولة.

 

* عن الأولى