هل اخترع الاستعمار البريطاني الجنوب العربي؟

مرة أخرى يبدو أن كنز الأسرار الذي حوته المخطوطات التي كانت مخبأة داخل براميل كرش والشريجة واكتشفها أحد المقوتين بالصدفة، يشكل مادة ثرية للكتاب والمثقفين والمفكرين اليمنيين، حيث ذكر عدد كبير منهم ممن اضطلعوا على جزء من تلك المخطوطات المثيرة أن "بريطانيا اخترعت اتحاد الجنوب العربي في خمسينيات القرن الماضي لمواجهة المد القومي الناصري من جهة والمطالب الأمامية (اليمنية) من جهة أخرى.

بريطانيا بالفعل في عصر النهضة الأوروبية وفي ذروة مجد امبراطوريتها كانت لها إسهامات كبيرة في تطوير العلوم والاختراعات والأفكار والنظريات السياسية والاقتصادية والعلمية، وهي اختراعات ونظريات أفادت البشرية والحضارة الإنسانية كثيراً ويصعب حصر تلك الاختراعات والإسهامات، وهي دلالة على قوة تلك الحضارة في الانتشار الواسع للغة الإنجليزية في عصرنا هذا، حتى كادت أن تكون لغة التخاطب والتواصل الإنساني.

اختراعات وإسهامات بريطانيا لم تقتصر على العلوم والفنون والنظريات، ولكنها بالفعل، وكما أشارت لذلك مخطوطات كرش والشريجة اخترعت بريطانيا دولاً عديدة مازالت قائمة حتى يومنا هذا، ينعم كثير منها بالاستقرار السياسي والاقتصادي، بل إن بعض تلك الدول مثل أمريكا فاقت في قوتها ونفوذها الدولة التي اخترعتها ولم تكتشفها. كثير من تلك الدول (إسلامية وعربية) ولن أضرب أمثلة حتى لا ندخل في متاهات وتفاصيل التاريخ.

الذي لم تخترعه بريطانيا ولم تدع اختراعه هو الشعوب التي سكنت تلك الدول والثقافات التي تجمع سكان تلك الدول، ولا اللغات واللهجات التي يتحدثون بها، إذن مخطوطات كرش والشريجة لم تأت بجديد وكنز الأسرار الذي اكتشفه عدد كبير من الكتاب والمثقفين يبدو أنه محاولة لإثبات أن المنتجات البكيلية الحاشدية أكثر جودة وكفاءة من المنتجات البريطانية، هذا الكلام لن يقوله إلا مقوت محترف أو مخزن مفتهن.

أي مقارنة بسيطة بين سجل الاستعمار البريطاني على مدى ١٢٨ عاماً، والدول التي قامت في اليمن سيكتشف أن إيجابيات الاستعمار البريطاني البغيض أكثر، وسلبيات الدولةاليمنية أكثر، إذن نحن أمام مقارنة غير منصفة بين من بنى واستفاد وأفاد، وبين من هدم وسعى في الأرض فساداً، لاتوجد مقارنة من الأساس، فعلاً صدق رب العزة عندما وصف الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً وأجدر أن لايعلموا حدود ما أنزل الله.

بالعودة إلى السؤال عنوان المقال، نعم بريطانيا اخترعت الجنوب العربي، ولكنها لم تخترع الجنوب، ولم تخترع العرب، وليتكم تركتموها تكمل اختراعها قبل الحديث الممل عن ماليزيا وهونغ كونغ وسنغافورة ودبي.

* من الايام