مليونية نوفمبر ذهول في صنعاء وسقوط أقنعة في عدن.
د عبدالله محمد الجعري
لقد هالني وأفرحني وأثلج صدري في آن معاً مارأيته يوم الجمعة 30 نوفمبر 2012م من مليونية ذكرى الاستقلال هذا المشهد العظيم الذي لا يكون إلّا من شعب عظيم هو الجنوب، وأصارحكم القول أنّي قد شهدت العديد من الاحتفالات بذكرى الاستقلال سابقاً ولاحقاً لكنني لأول مرة أرى هذا المشهد العظيم الذي توحدت فيه إرادة شعبنا الجنوبي ونفض فيه عن كاهله غبار الخوف ودحض كل شكوك ودعاوى المغرضين والمحرضين وأولهم نظام صنعاء المحتل والذين كانوا يراهنون على الفُرقة بين النسيج الجنوبي الواحد، هذا النسيج الذي استشعر الخطر مبكراً وأدرك ما يخطط ويراهن عليه نظام الاحتلال بالعمل على زرع الفُرقة والفتن بين أوساط أبناء الجنوب بغية إضعافهم ليسهل القضاء عليهم نهائياً فيما بعد، ولقد بدأت هذه المحاولات من المحتل اليمني مبكراً عقب وحدة الحيف والضياع وتجلت في أبشع صورها وأكثرها حقارة عقب حرب صيف 1994م المشؤومة والظالمة من خلال إثارة قضايا الثأر في الجنوب الذي عفا عليها الزمن ولكن بفضل من الله ثم بجهود الخيرين من أبناء الجنوب تم تجاوز مثل هذه الفتن والدسائس، ولأن أبناء الجنوب يعلمون أن في تفرقهم وتناحرهم ضعف لهم، واستشعاراً منهم بالخطر المحدق بهم ما كان منهم إلّا أن يعلنوا عن أول ضرباتهم القاصمة للمحتل اليمني والتي أصابته في مقتل فعلاً، وذلك بإعلانهم لتصالحهم وتسامحهم في جمعية ردفان، ومع أن المحتل اليمني حاول التقليل من هذا الإعلان ونتائجه وراهن على سقوطه، وما علم أو أنه غاب عنه القول المأثور أن النار تأتي من مستصغر الشرر، ولقد ندم اليوم أيما ندم عندما رأى تلك الشرارة التي انطلقت من جمعية ردفان والتي استصغرها بالأمس واستمرت في الاشتعال حتى غدت اليوم بركاناً زلزل الأرض من تحت أقدام المحتل اليمني بمليونية نوفمبر الاستقلال التي احتضنتها عاصمة الجنوب الحبيبة عدن.
واستطيع القول أن هذه المليونية هي إحدى نتاجات التصالح والتسامح في جمعية أبناء ردفان وكأن التأريخ يأبى إلّا أن يكتب لأبناء ردفان الشرفاء أن لا تنطلق الشرارة الأولى إلّا من أرضهم، هؤلاء الشرفاء الذين لم يُكافأوا على تضحياتهم حتى الآن ولم ينصفهم التأريخ بعد، ومع هذا يتقدمون الصفوف ويعملون بصمت فتحية لردفان الشموخ والعزة والكرامة ماض وحاضر ومستقبل .
إن مليونية يوم جمعة 30 نوفمبر التي حشدها الحراك السلمي الجنوبي قد أحدثت خلطاً لكثير من الأوراق والسيناريوهات المعدة على الساحة الجنوبية ذاتها وحتى على صعيد التخطيط والتكتيك للمحتل اليمني وقد أصاب صنعاء بالذهول وتسمرت في مكانها وهي فاغرة فاها حالها يشبه حال أبي سفيان قبل إسلامه وهو يشاهد جيوش المسلمين تفتح مكة، فقد أفرزت وأظهرت هذه المليونية مدى قوة الحراك الجنوبي على الساحة الجنوبية كلها وأنه صاحب اليد الطولى والمهيمن عليها والقادر على تجييش الجماهير الجنوبية في أي وقت وحين، وبالمقابل بقت الأحزاب والمكونات التي تخالف غاياتها وسياساتها وبرامجها هدف الحراك السلمي المتمثل باستعادة الدولة والهوية الجنوبية وكأن لا حول لها ولا قوة مفضلة المكوث في المناطق الرمادية بإملاءات من المحتل والتي تسير في فلكه مكتفية بالالتحاف بردائه مسقطة عن نفسها ووجهها كل الأقنعه التي تنوعت عليها وتعددت آثار المكياج.
ولقد عرى الحراك السلمي الجنوبي بمليونيته التي حشدها تلك الأحزاب والمكونات وفضحها أيما فضيحة أمام نفسها أولاً وشعبها ثانياً وألبسها ثوب الخزي والعار بسبب بعدها عن ما يريده الشعب الجنوبي تاركاً إياها في تلك المناطق الرمادية التي أُجبرت على البقاء فيها مكرهة بسبب تخلفها عن رغبات وتطلعات الشارع الجنوبي المتمثل في الحرية والاستقلال واستعادة الدولة.
فالتحية والتقدير للحراك السلمي الجنوبي الذي أظهر بهذه المليونية حجمه الحقيقي ومساحته التي يتحرك فيها وأن هذه المساحة هي الجنوب كله، وأنه وحده فقط الممثل الشرعي والناطق الرسمي لشعب الجنوب.
ولقد حقق الحراك الجنوبي من هذه المليونية مبتغاه فأرسل رسائله لكل الأحرار والمدافعين عن حريات وحقوق الإنسان في الداخل وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وأعلن جهاراً نهاراً أن حوار صنعاء لا يعني الجنوب وحراكه السلمي وأن هذا الرفض استمده الحراك من شعب الجنوب الذي قال في احتفالية نوفمبر المليونية لا ومليون لا لحوار صنعاء.