الشرعية الحقيقية تُصاغ من إرادة الشارع

2025-04-25 08:50

 

​في محطات التاريخ المفصلية، لم تكن الجيوش وحدها من حمت الأوطان، ولا التحالفات الإقليمية وحدها من حددت مصائر الشعوب. بل ظلت الشعوب نفسها، بحراكها الواعي وإرادتها الحرة، هي الحَكم الفصل في صعود المشاريع أو أفولها بل وزوالها.

 

ومهما امتلكت القوى السياسية من أدوات القوة والنفوذ، فإنها تظل هشّة إن لم تستند إلى حاضنة شعبية وجماهيرية تمنحها المعنى للبقاء والديمومة.

 

لقد آن الأوان للاعتراف بأن الشارع، حين يتحرك بوعي ومسؤولية، لا عبثا بغير هدى، بل مصدرًا شرعيا لا غنى عنه، فهو الذي يصنع الفارق والبون الشاسع بين مشروع يفرض حضوره بالرضا الشعبي، وآخر يقتات على شرعية سقفها مستعار لا تصمد أمام أول امتحان.

 

كثيرون، بعد لحظات الانتقال من ساحات النضال إلى كواليس الحكم، ظنوا أن الجماهير باتت حمل زائد عن الحاجة، وأن القوى العسكرية أو الدعم الخارجي كفيلة بترسيخ الواقع الجديد.

وهم ممن يرددون عبارة "2015 ليس كما قبله" لكن الحقيقة، التي تتكرر في كل تجربة سياسية، أن من يتخلى عن قاعدته الشعبية طوعًا، يُسقط عن نفسه الغطاء الوحيد القادر على حمايته حين تختل الموازين أو تتغير التحالفات.

 

إن الاعتماد المفرط على الخارج، وإن جاء تحت لافتة الدعم والمساندة، لا يمكن أن يكون بديلًا عن بناء الثقة مع الداخل. فالخارج لا يمنح، بل يقايض، لا يدعم إلا بقدر ما يخدم مصالحه. وهو ما يجعل الرهان عليه، بلا مرتكز وضمان داخلي مخاطرة سياسية لا تحمد عقباها.

 

الوعي السياسي الرشيد يقتضي الموازنة بين الانفتاح على العالم، وبين ترسيخ الجذور داخل المجتمع. 

 

فالقوة الحقيقية لا تُقاس بعدد الأطقم  وعنتريات الشوارع ولا بكمية العتاد، بل بمدى التماهي مع تطلعات الناس، وبالقدرة على أن نصغى لصوت الشارع لا أن نستغني عنه.

 

إن الشعوب ليست جموعا للزينة في مواسم الفعاليات، بل شريكٌ في القرار وصانعٌ للمصير. ومن يدرك هذه المعادلة، يضع قدميه على الطريق الصحيح، مهما كانت التحديات.