نفوذ السلفيين تمدد إلى ما يشبه سلطات إنفاذ القانون من خلال ممارسات لا تستند إلى أي إطار قانوني واضح وباتوا أشبه بالمطاوعة.
*- شبوة برس – العرب بنغازي (ليبيا)
تحول قانون السحر والشعوذة، الذي صادق عليه البرلمان الليبي قبل أكثر من عام، إلى أداة في يد السلفيين المداخلة (نسبة إلى ربيع المدخلي، ويتلخص منهجهم في الولاء التام للسلطة الحاكمة مهما كانت، ومحاربة المخالفين، وخاصة منهم المنتمين إلى التيارات الإسلامية) ضد خصومهم من التيار الصوفي الذي يواجه خطر تراجع نفوذه مع تمدد الفكر السلفي الدخيل على ثقافة المجتمع شرق البلاد وغربها.
وكشفت حادثة وفاة مواطن ليبي تحت التعذيب بسبب رفضه تمثيل دور الساحر والمشعوذ عن عمق المأساة التي يواجهها أنصار الجماعات الصوفية في ليبيا.
وقالت المؤسسةِ الوطنيّة لحقوق الإنسَان بليبيـا، في بيان لها الجمعة، إن قسم تقصّي الحقائق والرصد والتوثيق رصد وتابع الأصداء الأولية لحادثة وفاة فتحي محمود بن علي الزعيري الملقب بـ”التونسي” والبالغ من العمر 56 عاما في سجن الكويفية بمدينة بنغازي جراء التعذيب، وذلك يوم الأحد، بعد اعتقاله بدعوى ممارسة السحر والشعوذة منذُ شهر أغسطس 2024 ضمن حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد ناشطي الجماعات الصوفية من قبل إدارة العمليات الأمنية فرع بنغازي الكبرى.
وأشارت المؤسسة إلى أن أولئك الناشطين كانوا معتقلين بسجن راس المنقار ومنه تم نقلهم إلى سجني قرنادة بشحات والكويفية ببنغازي الخاضعين لسلطة وإشراف إدارة الشرطة والسجون العسكرية التابعة للقيادة العامة للجيش.
وأضافت أن “التونسي” رفض الاعتراف بما نُسب إليه من تهم السحر والشعوذة تحت الإكراه والتهديد والتعذيب، وطوال فترة اعتقاله التعسفي خارج نطاق القانون لم يعرض على النيابة العامة للفصل في حقيقة الاتهامات الموجهة إليه إلى أن توفي تحت التعذيب، ليكون ذلك الحالة الرابعة التي تسجل تحت التعذيب الجسدي المبرح للمعتقلين على خلفية الانتماء إلى التيار الصوفي والمعتقلين بمزاعم السحر والشعوذة.
وكان مجلس النواب صادق في يناير 2024 على قانون حد السحر والشعوذة، الذي تقدمت بمشروعه هيئتا الأوقاف والشؤون الإسلامية في طرابلس وبنغازي، والذي تم اعتباره سلاحا وضع بين أيدي التيار السلفي المتشدد لتصفية حساباته مع التيارات المخالفة بما في ذلك التيار الصوفي الذي يواجه عملية تضييق ممنهجة على نشاطاته وفضاءاته التقليدية.
وبحسب القانون الجديد يعاقب الساحر بالقتل إذا ثبت أن سحره تضمن كفرا، أو ترتب على سحره قتل نفس معصومة، كما يمكن للقاضي أن يحكم على الساحر بإحدى العقوبات الآتية: القتل، أو السجن المؤبد، أو السجن لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة، مع غرامة قدرها مئة ألف دينار.
*- حادثة وفاة مواطن ليبي تحت التعذيب بسبب رفضه تمثيل دور الساحر والمشعوذ كشفت عن عمق المأساة التي يواجهها أنصار الجماعات الصوفية في ليبيا
وسبق للمجلس الأعلى لمشيخة الطرق الصوفية في ليبيا أن أدان استغلال الحملة ضد السحرة والمشعوذين بتشويه الطرق الصوفية ومنتسبيها والتهجم عليهم وتهديدهم بحجة محاربة السحر والشعوذة ومحاولتهم تضليل الرأي العام، مؤكدا على أن “أهل التصوف هم حماة الدين وحراس العقيدة والسنة المحمدية وهم من نَشر الإسلام وعلم القرآن الكريم” في مختلف مناطق العالم عبر الزوايا الصوفية.
لكن ما يثير القلق بشكل متزايد هو تمدد نفوذ السلفيين إلى ما يشبه سلطات إنفاذ القانون من خلال ممارسات لا تستند إلى أي إطار قانوني واضح، حيث بات شائعا أن يرافق سلفيون عناصر الأمن والشرطة أثناء مداهمات أو توقيفات تتعلق بتهم السحر في مشهد يذكر بتجربة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية (المطاوعة)، حيث يتداخل الحضور الديني مع سلط إنفاذ القانون.
وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان طالبت مكتب النائب العام بفتح تحقيق شامل في “تجاوزات وجرائم” وممارسات الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية ومكاتبها في مدن الزاوية وتاجوراء وطرابلس المركز ودرنة وبنغازي، حيال تجاوزاتهم لصحيح القانون وقيامهم بأعمال ليست من اختصاصهم القانوني. وقالت إن هيئة الأوقاف جهة مشرفة على المساجد وليست سلطة إنفاذ قانون، فهي غير مخول لها القيام بهذه الأعمال والممارسات، المتجاوزة لاختصاصاتها ومهام عملها.
وكانت اللجنة العليا للإفتاء في شرق البلاد قد أصدرت في الأيام الماضية فتوى مثيرة للجدل، تحت عنوان “حد الساحر وعقوبة من يتعامل معه أو يدافع عنه”. ونصت هذه الفتوى على أن الحد الواجب على من يزاول نشاطات السحر “ضربة بالسيف”، وخلصت إلى أن “من يأتي الساحر، ليضر الآخرين فإنه يعزر تعزيرا شديدا رادعا حتى لو وصل إلى قتله بحسب إضراره.”