الإسفلت الإرهابي

2025-01-30 06:31

 

حينما قامت القوات الصهيونية بقصف المنشآت السكنية في أحياء ومدن ومخيمات شمال غزة و مدينة غزة وكل مدن القطاع من بيت حانون حتى  مدينة ومخيم رفح على الحدود مع مصر كانت الحجة إن (أرهابيي حماس) يختبؤون في تلك الأحياء السكتية ويتخذون السكان المدنيين دروعاً بشرية، فكانت تهدم المساكن على السكان المدنيين، الذين تتهم حماس باتخاذهم دروعاً بشرية.

وحينما قصفت مدارس منظمة الاونوروا كانت حجتها نفسها وهي أن بين اللاجئين في تلك المدارس عناصر من (إرهابيي حماس).

ونفس الحجة كانت دائما حينما قصفت المدفعية والصواريخ والطائرات المسيرة كل من مستشفى الشفاء ومستشفى كمال عدون والمستشفى الإندونيسي والأوروبي  وبقية المستشفيات والمرافق الطبية وكذا دور العبادة الإسلامية والمسيحية. 

 وظلت السلطات الصهيونية ترتكب كل جرائم القصف والتدمير والإبادة الجماعية تحت نفس الحجة ، وجود عناصر (إرهابية) في المناطق والأحياء السكنية والمؤسسات الخدمية والتعليمية والدينية.

لقد اقتلعت إسرائيل كل ما له علاقة بالحياة الآدمية في مدن ومرافق ومخيمات، وشواطئ قطاع غزة.

حتى إسفلت الطرقات والشوارع العامة كانت الجرافات الإسرائيلية تقتلعته في إطار مشروع إعدام كل ما له صلة باستئناف الحياة الآدمية في القطاع بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي، وبوابات قدوم الإعانات الإغاثية من الأغذية والمواد الدوائية.

     *     *     *

إن المشروع الإسرائيلي لم يكن يستهدف فقط القضاء على حماس وحدها ولا على بقية المنظمات الفلسطينية التي تشارك حركة حماس العمل المسلح لمواجهة النظام الاستيطاني الصهيوني، بل كان وما يزال الهدف هو القضاء على السكان الفلسلطينيين، كوجود بشري، وليس ككيانات ومنظمات سياسية، وإلا فمن حق أي إنسان عاقل عند المستوى الاعتيادي ان يسأل: إذا ما افترضنا ان المنشآت والمباني السكنية والخدمية  ودور العبادة تأوي مقاتلين فلسطيين فهل الإسفلت الذي جرى اقتلاعه من الشوارع والطرقات العامة يخفي تحته (إرهابيين)؟

العقلية السياسية الإسرائيلية من أقصى يسارها إلى أقصى اليمين، لا تكترث بسلامة وتماسك منطق الحجج التي تقدمها للعالم، فلديها من يسوق لها حججها اللامنطقية من الإعلاميين والسياسيين الصهيونيين والمتصهينين ما يكفي على مستوى العالم، ولو لم يقتنع احد بحججها، فلديها من القوة العسكرية وأدوات البطش ما يغنيها عن إقناع العالم بما ارتكبته وما تريد أن ترتكبه من الجرائم والمنكرات..

        *    *    *

ستكون لي وقفة أخرى مع مشاريع الرئيس الأمريكي ترامب في المنطقة العربية، التي استُبدِل اسمها بالاسم الخادع (الشرق الاوسط) منذ نحو ثلاثة ارباع القرن، لكن دعوة هذا الترمب إلى توطين الفلسطينيين في بلدان مجاور ة ، كالأردن ومصر تبين أن العقلية الصهيونية تفرض نفوذها وقوة حضورها على أعلى مواقع صناعة القرار في العالم، وأن مسوقيها لا يشعرون بادنى ذرة من الخجل وهم ينادون بما هو أسوأ مما ارتكبته النازية والفاشية وأنظمة الابارثايد على مرّ التاريخ.

وبهذه المناسبة يجدر بنا التوجه بالتحية والتقدير إلى موقف الشعب المصري، رئيساً وحكومةً وبرلماناً، عندما تصدوا للترهات الترامبية البائسة وأخرسوا صاحبها وأجبروه على التراجع عنها وإن لم يتراجع عن دعمه للنزعة العنصرية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتجاه الشعوب العربية بشكل عام ممن طبَّعت انظمتها العلاقات مع الكيان الصهيوني ومن لم تطبِّع.