في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز العديد من التساؤلات حول مستقبل التحالفات السياسية والجغرافية، خاصة في ظل التنافس الإقليمي بين القوى المختلفة، أحد هذه التساؤلات الملحة يدور حول ما إذا كان النفوذ الإقليمي المعروف بـ"الهلال الشيعي"، الذي يمتد من إيران مرورًا بالعراق وسوريا وصولًا إلى لبنان قد سقط وربما نواجه تحديًا جديدًا يتمثل في "البدر العثماني"، الذي يشير إلى النفوذ التركي المتزايد في المنطقة.
التنافس بين المشروعين
التنافس بين "الهلال الشيعي" و"البدر العثماني" لا يقتصر فقط على الساحة السياسية، بل يشمل أيضًا البعد الطائفي والجغرافي. تركيا تسعى لاستقطاب الدول ذات الأغلبية السنية، بينما إيران تعتمد على التحالفات الشيعية هذا التنافس يمتد إلى دول مثل العراق، حيث يتداخل النفوذ الإيراني والتركي بشكل معقد، وسوريا الذي تشهد صراعًا مباشرًا بين القوى المدعومة من الطرفين.
الهلال الشيعي: الجذور والتحديات
مصطلح "الهلال الشيعي" برز في العقدين الماضيين للإشارة إلى النفوذ الإيراني المتنامي الذي يعتمد على دعم حلفاء طائفيين وسياسيين في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. إيران نجحت في بناء شبكة قوية من التحالفات مع جماعات سياسية وعسكرية مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، مما جعلها لاعبًا مؤثرًا في القضايا الإقليمية.
ومع ذلك، واجه هذا النفوذ تحديات كبيرة لم يستوعبها قادة إيران من عقوبات اقتصادية مفروضة، الاضطرابات الداخلية، وصعود قوى إقليمية منافسة مثل تركيا، الدبلوماسية العربية، كل ذلك أثّر على قدرة إيران على الحفاظ على نفوذها بنفس القوة وعندها توالى سقوط أذرعها واحدًا بعد الآخر دون قدرة منها على وقف الانهيار.
البدر العثماني: عودة تركيا إلى الساحة
من ناحية أخرى، تسعى تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى استعادة ما تعتقد أنه مجدها التاريخي في المنطقة من خلال سياسات نشطة تشمل التدخل العسكري في سوريا وليبيا والصومال، تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، ودعم حركات الإسلام السياسي في اليمن ودول أخرى، اعتقادًا منها أن ذلك يقود إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي.
تركيا، التي تستند إلى إرث الدولة العثمانية التاريخي، تحاول تقديم نفسها كقوة إقليمية تجمع بين القوة العسكرية والتأثير الثقافي والاقتصادي. كما أن تركيا تحاول استقطاب حلفاء جدد، خاصة في ظل التوترات بين الدول الخليجية وإيران وتنشط بشكل أساسي مع جماعة الإخوان المسلمين في حملاتها التسويقية والتبشير بخلاف السلطان العثماني.
مستقبل المنطقة: مواجهة أم تعاون؟
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستظل المنطقة ساحة للصراع بين هذه القوى، أم أن هناك مجالًا للتعاون؟ البعض يرى أن التنافس الحالي قد يؤدي إلى مزيد من التوترات وعدم الاستقرار، بينما يرى آخرون أن توازن القوى قد يدفع الأطراف إلى التفاوض والبحث عن حلول سياسية.
ختامًا، فإن التحولات الجارية في الشرق الأوسط تعكس ديناميكيات معقدة لا يمكن فهمها من زاوية واحدة فقط، سواء أكانت المنطقة تتجه نحو "البدر العثماني" أم ننتظر مشروع عربي جديد، أم يعود هلال إيران في مكان أخر، فإن الشعوب هي من تدفع الثمن الأكبر في هذا الصراع على النفوذ.
*- شبوة برس – الأيام العدنية