يكثر الحديث في الآوان الأخيرة عن مهية اللقاءات التي جرت بين الانتقالي ورموز في المؤتمر الشعبي العام بقيادة طارق صالح من جهة والحوثيون من جهة أخرى ؟، وللعديد من الاعتبارات كرّس البعض من المحللين الجنوبيين من ذوي الصولات والجولات، اهتمامهم بهذه التطورات على أنّها بمثابة تباشير عن قرب استعادة الدولة الجنوبية، لكن دون تقديم دليل ملموس من الواقع يقود للتفاؤل، ويفيد عن تغير إستراتيجية التحالف لزوية ١٨٠ درجة تجاهها، وكل ما يصدر هو عبارة عن تكهّنات أو كما يقال ضرب في الرمل، تخرج عن السياقات التي لازال إلى هذه اللحظة يُصر التحالف العربي التعاطي معها، ومن باب السعي لتثبيت تموضعات انتجتها عشر سنوات من الحرب، ولا يمكن لعاقل القفز عليها وهي بهذا الشكل من التشابك والتعقيد.
فالمسألة في سياقها المتصل، لا تخرج من كوننا أصبحنا من بعد انطلاق عاصفة الحزم، أمام ثلاث قوى متصارعة تعمل على الأرض، مستندة لما يقابلها من الثورات. الحوثي شمال الشمال.. ٢١ سبتمبر، الانتقالي جنوباً..١٤ أكتوبر، يتوسطهما جمع من الاحزاب على رأسها الإخوان والمؤتمر ويتقابلوا مع ثورة ٢٦ سبتمبر، ليتجلّى العمق الدفاعي لكل طرف على حِدة في نطاق سيطرته، محاولاً طمس معالم الآخر، كما يفعل اليوم الحوثيون بالطغيان على ثورة ٢٦ سبتمبر ومحاصرتها.
وبالتالي فاستعادة الدولة الجنوبية بشكلها التقليدي، في ظل الضبابية الكاملة، دون نية صادقة من الأقليم للوقوف عليها بجديّة كقضية عادلة بامتياز، وفي وجود تيارين يتنازعان شرعية الشمال وعينهم على الجنوب، لازلت رهين محبسها، وتحتاج لمأزرة دولية صلبة تشد من أزرها وتقوي من عضدها، والذي لا مؤشرات تدل عليها إلى الآن، عداها تحركات يقودها الانتقالي على مستوى عالٍ بهدف تغير المفاهيم والوقائع على الأرض، ناهيك عن ما تقدّمه بعض مراكز الدراسات الغربية والمنظمات من نصائح لدولها، بضرورة الانفتاح على الجنوبيين لعودة دولتهم، وذلك على خلفية تأزّم أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وتمرد الحوثيين على العالم.
وربما ما يجري من لقاءات كما يسرّب بتنسيق دول عربية فاعلة، هي عملية فقط لاستدرك الموقف تحسّباً لأي طارئ يخلط الأوراق، ولتفويت الفرصة على الانتقالي بالعمل على استدراجه إلى حوار عقيم يأخذه إلى الأعلى دونما يحط على هدفه، ريثما يتحسن المشهد الإقليمي، ليتم إجراء تسوية سياسية بين الفرقاء تعيد هيكلة الوضع اليمني وبحسب تموضع كل طرف من الصراع، وعلى ما يبدو تضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما الأول إقليمين.. تشمل ما سميت بالمناطق المحررة من الشمال والجنوب يقابله ما يقع تحت قبضة الحوثين. أما الخيار الثاني فثلاثة أقاليم، واحد جنوبي وعلى حدوده التقليدية، وأثنين شمالية مع الأخذ بعين الاعتبار تمركز السكان والتوزيع العادل للثروات، افساحاّ المجال أمام اتصال الرقعة الجغرافية من مأرب إلى شرق الحديدة كامتداد إداري واحد.
وعليه لو أنّه وجدت مصداقية من قِبل التحالف العربي لدعم الأمن والاستقرار على ربوع البلاد، من باب استعادة الدولة الجنوبية، قطعاً على المتربصين بها الطريق، لكان اتخذت جميع السبل الممكنة لنجاحها، وأولها العمل على عدم السماح لاكثر من تيار بالسطو على الشمال، مع دعم الجنوبيين على مبدأ الندّية ومدهم بمقومات الصمود مادياّ ومعنوياً، أو بشكل آخر التوفيق بينهم والاتجاه المناهض لانقلاب الحوثين على تحرير صنعاء على أساس أخذ الضمانات بمنحهم حق تقرير المصير من بعد انتهاء المهمة، وعن طريق الاستفتاء المكفول في مواثيق الأمم المتحدة، وبسقف أعلاه دولة كاملة السيادة، وادناه إدارة ذاتية في ظل دولة يمنية اتحادية.
*- منصور الصبيحي