الخلافة الإسلامية: الأب يقتل ابنه، والأم تقتل زوجها والأخ يقتل أخاه

2024-08-22 22:19
الخلافة الإسلامية: الأب يقتل ابنه، والأم تقتل زوجها والأخ يقتل أخاه
شبوه برس - متابعات ثقافية - القاهرة

 

الخلافة.. تاريخ من القتل بقلم رضا البهات

 

إنها الإسلام السياسى الذى ابتدأ مع عصر بنى أمية.. منذ قال معاوية بن أبى سفيان (يسميه السلفيون والإخوان سيدنا معاوية): «نحن الزمان، مَن رفعناه ارتفع ومَن وضعناه اتَّضع». ومنذ قال أيضاً: «إن تعيين الإمام راجع بالأساس إلى الله». ولا تسأل كيف يعين الله إماماً.. من وقتها والدين السياسى يحتل كل المساحة.

 

قتل، وقتل مضاد لأجل الحكم.. فالأب يقتل ابنه، والأم تقتل زوجها، وكلهم يقتلون العم والخال والصهر. والأخ يقتل أخاه. حتى ولو لم يكن قد فات على توليه الخلافة عام (المهتدى) ولا حتى شهرين (إبراهيم بن الوليد). أما ما هو معلوم من التاريخ بالضرورة فهو أن كل الخلفاء الراشدين- باستثناء أبى بكر الصديق- ماتوا قتلاً.

 

عموماً ففى الخلافة الأُموية وحدها، قُتل خلفاء «المؤمنين»: مروان بن عبدالحكم وعمر بن عبدالعزيز والوليد بن يزيد وابنه إبراهيم ومن بعده مروان بن محمد. وفى عصر الخلافة العباسية وحده، اغتيل 12 خليفة للمسلمين بالتتابع. وأما عن عهد الخلافة العثمانية فحدِّث بكل الحرج عن القتل والتآمرات التى طالت الكثيرين، سعياً إلى مغانم السلطة وأبهتها. حتى إذا أوشكنا دخول العصر تكفل النفط وزكايب الفلوس بتنشيط الوهابية، وكأننا لم نغادر التاريخ كثيراً.

 

هذا عن خلفاء (المسلمين).. أما غير الخلفاء فقد تتبعنا بالقتل مَن رأى استخدام عقله. وكلنا نذكر إخوان الصفا وواصل بن عطاء والحلاج والسهروردى وابن المقفع وعبدالحميد الكاتب والنفرى ثم أبونواس وابن رشد وبشار بن برد ومحيى الدين بن عربى..

بل إنه فى القرن الأخير وحده، يمكن أن نُحصى عشرين اسماً لاقوا نفس المصائر، إما قتلاً أو طعناً بالسكين أو بمصادرة كتبهم، أو قطع أرزاقهم، أو بأرقى وسائل المطاردة، وهى حكم محكمة. رغم أنه مفيش دين كده فى الدنيا. ثم نعود من جديد إلى مناقشة أمر الدين السياسى كأننا لم نتقدم كثيراً، رغم ما فصله مثلاً الشيخ على عبدالرازق من أن الخلافة ليست ركناً من أركان الإسلام الخمسة المعروفة، ورغم دخول الدنيا فى مرحلة من الليبرالية التى تسع الجميع.

 

أوشك المصريون على تبنى العلمانية فكراً- كنتيجة لثورة 1919- التى أعقبها إلغاء الخلافة العثمانية، وحاول الوهابيون نفخ الحياة فى الجسد المحتضر باقتراح مؤتمر مكة لإعادتها فى 1925، وبعد فشل تلك المحاولة أُعيدت فى القاهرة وفشلت، وهكذا لتتواصل بيبليوجرافيا طويلة من العداء للذات والإصرار على وقف التاريخ على قديمه كأن (اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش) ليعقب فشلهما إنشاء جماعة الإخوان فى 1928.

 

اليوم سترثى لنا البشرية لإصرارنا على التخلف، أن كان لدينا كل هذا العقل الجبار، ثم كل هذا الإصرار على التخلص منه باسم الإسلام.. ليه؟.. إنه الدين السياسى، أو الدين حين يتخلى عن وظيفته فى صنع الضمير الإنسانى.

 

ما بالك ونفس الهم الناقع لا يزال يرفع رايته الإخوان والسلفيون وداعش وكل الفصائل الخارجة منهم، قتالاً لأجل الإبقاء على الكبت وملحقاته، والكره وملحقاته، والموت وملحقاته. ليس هذا خمشاً للوجه، بل وصفاً لتاريخ يرفع الوهابيون رايته. تاريخ من القتل والسحل والدفن بالحياة والتعذيب والذبح والحرق.

 

المعنى أن الوهابيين لا يؤمنون بغير لغة القوة، إذ لن تستقر دولة بغير تنحية (أكرر تنحية وإقصاء) أصحاب هذا الفكر، وذلك لأجل دفع التاريخ قدماً.. وفق قواعد دنيوية خالصة.

 

فالميل إلى التدين يشكل مساحة كبيرة من ثقافة العامة- خاصة فى الريف، الذى يضم أكثر من نصف سكان مصر- واستثماره من جانب الوهابيين على هذا النحو يوقف التاريخ، فليظل الدين فى مساحته من صنع ضمير البشر، أى إبعاد الدين عن أنشطة الإنسان، فلا يجبرهم الوهابيون على دخول الجنة كما يرونها.. ثمة الجنة وثمة النار، ولتعمل إرادة الناس وضمائرهم وإلا فلماذا خلقهما الله معاً! ما يحفظ العلاقة بين الناس هو القانون وحده.

 

طريق جربت فى سبيله الإنسانية طرقاً كثيرة.. اسمه الدولة المدنية.

 

لماذا يخاف المصريون من كلمة العلمانية!. إن مصرنة العلمانية (جعلها مصرية) تُسأل عنها التجارب اليابانية والهندية واللاتينية، وملخصها الاحتفاظ بالجوانب الروحية للأديان المحلية داخل صيغة العلمانية.. وهو جهد ثقافى ودينى كبير.

 

*- شبوة برس – المصري اليوم