عندما نقرأ التاريخ السياسي للجنوب العربي الحديث بحيادية تطل علينا أشرف وأنصع صفحات التاريخ النضالي السلمي الذي سجله حزب رابطة الجنوب العربي الذي تعرض للظلم طوال مسيرته الوطنية هذا الحزب العتيد والعنيد الذي أراد خصومه وأده إلا أنه استعصى عليهم بل وأصبح بكل جدارة يرقى إلى مصاف الأحزاب الكبرى التي قارعت الاستعمار البريطاني مثل حزب المؤتمر الوطني الهندي الذي أسسه المهاتما غاندي عام 1885م ، وحزب رابطة عوامي الذي أسسه مجيب الرحمن ، وحزب الوفد المصري، وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي حزب مانديلا .
وقال الزميل عبد السلام قاسم: "لا نعتقد أن هناك حزب أو كيان أو حركه سياسيه قد عانت وظُلمت وهُمشت واُقصّت مثل ما حصل لحزب الرابطة وقياداته وكوادره واعضاءه وتعرض هذا الحزب للاتهامات وللتحريض ولنشر الإشاعات حوله والاتهام بالارتزاق والرجعية لمن؟ لمن يتسابقون اليوم على التقرب لكسب الود وبناء علاقات متينه معهم"
كما أن حملات التشهير بتاريخه النضالي ليست وليدة اللحظات الراهنة، بل هي امتداد لأكثر من سبعه عقود دون أن يريد احد أن يفهم التاريخ الحقيقي لأول حركه سياسية في الجنوب العربي تناهض السياسة الاستعمارية والاحتلال البريطاني للبلد.
كما لا نعتقد ايضاً أن هناك "حزب أو قوى وطنية قد حُرمت من حقوق (العيش والسكن الوظيفة) مثل ما حصل لكوادر هذا الحزب"
ورابطة الجنوب العربي ليست مجرد حزب سياسي بل مدرسة راقية للوطنية ومرفأ للحرية تخرج منها آلاف الشباب الجنوبي الذين تعلموا فيها معاني الحرية والنضال السلمي ونبغ فيها فرسان السياسة وفي طليعتهم الرعيل الأول الذي أسس الحزب مثل: السيد محمد علي الجفري وشيخان الحبشي وأحمد عمر با فقيه وعبدالله علي الجفري والسلطان علي عبد الكريم والشيخ محمد أبوبكر بن فريد والسلطان محمد بن عيدروس ومحمد سالم باوزير والسيد سالم الصافي وجمعان باتيس ومحمد أبوبكر بن عجرومه ومئات الكوادر الوطنية التي لن تسعها المجلدات ولا زالت سيرتهم العطرة محفورة في الذاكرة و الوجدان الجنوبي حتى اليوم ، كان المؤسسون العظام من الرعيل الأول لا يؤمنون بشعارات بعض الأحزاب الانتهازية " الغاية تبرر الوسيلة "
بل تأثروا بالأحزاب الوطنية الكبرى في آسيا وأفريقيا وعملوا بإخلاص وجدارة لتحقيق استقلال الجنوب العربي وهويته سلما لا حربا وصبروا على السهام التي أصابتهم من العدو والصديق من أجل الوطن "الجنوب العربي" وقامت بريطانيا بنفي قادة الرابطة حيث لم تأت سنة 1959م إلا واكتمل نفيهم إلى القاهرة ، وفي نفس العام أوفدت الرابطة أمينها العام السيد شيخان الحبشي إلى هيئة الأمم المتحدة في الوقت الذي سافر قحطان الشعبي وابن عمه فيصل الشعبي سرا إلى دمشق لحضور دورة حاضر فيها جورج حبش وهاني الهندي وغيرهم لتأسيس فروع لحركة القوميين العرب في أوطانهم !!
وفي يوني عام 1964م أعلنت بريطانيا أنها ستمنح الجنوب العربي استقلاله عام 1968م ورفع القوميون العرب شعار الكفاح المسلح عام 1963م بعد انتفاضة ردفان بتوجيهات إقليمية على رأسها مصر وقاموا باغتيال مئات الوطنيين في عدن .. وكان قادة الرابطة يعارضون تلك الأعمال الدموية التي طالت بعض رجالهم وقد كانوا يدركون أن شعب الجنوب هو شعب قبلي وان ثورة مسلحة ليست لها قيادة حكيمة في الداخل تسيرها فان شعب الجنوب سوف يضرب بعضه بعضا وكانت قيادة الرابطة تدرك أن هناك صراعا دوليا على الجنوب وكان رأيهم إبعاد الجنوب عن ذلك الاستقطاب و الصراعات ، ولكن الحماس غلب الحكمة و صوت العقل لم يكن مسموعا في الجنوب آنذاك ، ولعب الانجليز دورا هداما في بنية الأحزاب الجنوبية ، وقرروا تسليم الحكم للجبهة القومية ولديها مليشيات مستعدة للقتل والنهب في حين تم إقصاء الرابطة وجبهة التحرير، وقام الضباط السياسيون البريطانيون بدق مسمار جحا فوزع "هبربرسي" في عتق 400 رشاش ومبالغ مالية كبيرة في مناطق الجنوب الأخرى وصرف شخص آخر في المكلا حوالي نصف مليون جنيه إسترليني وتم تسليم الجبهة القومية الجنوب على طبق من ذهب.
وكلنا يعلم تاريخها الدموي منذ استلامها الحكم وتصفية فرسان القبائل في السبعينات ومذبحة 13 يناير التي دمرت النظام في عدن ومن ثم ساقوا الجنوب إلى باب اليمن باسم الوحدة والتي قضت على الجنوب ورجاله الشرفاء ولا زال مسلسل الدم يجري أنهارا حتى اليوم!!
ومن واقع المسؤولية الوطنية والأخلاقية التي نهل منها رجال الرابطة ها هم قادتها وفرسانها من الجيل الثاني يضربون أروع وأصدق الأمثال و يترجلون عن صهوات السياسة ويسلمونها طواعية سلما للجيل الجديد من شباب الرابطة بعد أن ذبل شبابهم وتراجعت صحتهم وتمثل ذلك في القرار الشجاع و الطوعي الوطني من رئيس الحزب السيد عبد الرحمن الجفري والأمين العام الشيخ محسن محمد بن فريد اللذان شهد لهما العدو قبل الصديق بالنزاهة والمصداقية والوطنية طوال مسيرتهما النضالية وخرجا منها بخفي حنين ليس هذا فحسب بل خرجا منها وهما مثقلان بالديون وفقدا صحتهما ولكنهما كسبا محبتنا وضربا لنا أروع الأمثال في الوطنية والشجاعة والصدق والأمانة وأصبحا نبراسا وتاجا للشرف والمسؤولية الوطنية وقد سلما الجيل الجديد من شباب الرابطة قيادة المسيرة التاريخية للحزب ونتمنى لهم التوفيق والنجاح والسير على خطاهما ومسيرتهما التي قاما بها بكل أمانة واقتدار فتحية للسيد عبد الرحمن علي الجفري وتحية للشيخ محسن محمد بن فريد ونتمنى لهما الصحة والسعادة وطول العمر فهما مدرسة ومرجعية لكل النبلاء والشرفاء في الجنوب العربي وحتما سينصفهما التاريخ والوطن لا ينسى رجاله المخلصين .
د. علوي عمر بن فريد