في ذكرى اليوم الحزين

2013-07-11 00:00

ان يوم 7/7/1994م يوم حزين في حياتنا ، لأنه يوم اسقاط مشروع الوحده و احتلال الجنوب .

ففي صباح ذلك اليوم خرجنا من عدن بعد اجتماع في القصر ((المدور)) قررنا فيه الخروج من عدن لسلامة ما تبقى في المدينه ، و لكنها للاسف وقعت في أيادي النهب و السلب لقبائل و عساكر النظام ، و في أيادي شيوخ الغنائم من الاسلاميين في صنعاء و القوى الجهاديه القادمه من افغانستان ، حتى ان مراسل قناة ال (( mbc )) بعد اسبوع قال : لقد توقف النهب في عدن ، لانه لم يعد هناك ما ينهبوه ... الخ .

و بعد ذلك دخلوا في لعبة الحوار الديمقراطي لدفن الجريمه التي ارتكبوها في حق شعب الجنوب ، ثم في حرب صعده و تنظيم القاعده لنفس الهدف ، و كذلك ثورة الشباب التي قال قادتها بأنهم سيضحون بها في سبيل بقاء الجنوب في قبضة الشمال ، و اخيرا طبخة مؤتمر الحوار الوطني الذي أبتكر مفهوم اليمن الحضاري و اليمن التاريخي الواحد لنفس الهدف ايضا ، مع انه لم و لن يوجد شي أسمه اليمن الحضاري ، لان اية حضاره هي نسبه الى البشر الذين صنعوها و ليست الى الجهويه الجغرافيه كاليمن باعتباره اتجاه جهوي و ليس اسم أمه .

و لهذا و من اجل التوعيه للشباب والتوثيق للاجيال القادمه نورد التالي :

1- اننا حتى و لو افترضنا بأن اليمن اسم امه ، فان كل وقائع التاريخ القديم و الحديث تبرهن على انه لم يوجد يمن حضاري واحد و لم يوجد يمن تاريخي واحد منذ فجر التاريخ ، و لو كان اليمن الحضاري و التاريخي واحدا لما ظهرت دويلاته المتعدده في وقت واحد ، لان هذه الدويلات هي دليل على غياب الوحده الحضاريه و التاريخيه و ليس العكس .

أمّا التاريخ الحديث فقد أفرز دويلات السلاطين في الجنوب التي توّجت بدولة الجنوب العربي عام 1959م ثم جمهورية اليمن الجنوبيه الشعبيه كأمتداد لها عام 1967م . كما افرز الواقع في الشمال دويلات الأئمه التي توّجت بدولة المملكه المتوكليه الهاشميه عام 1918م ، ثم الجمهوريه العربيه اليمنيه عام 1962م . و بالتالي من اين جاء مفهوم اليمن الحضاري و التاريخي الواحد ؟؟؟ . و هل يفهم اصحاب هذا المفهوم بأن تمسكهم به دليل على نكرانهم للوحده و يعطي المزيد من الشرعيه لمطالبنا ؟؟؟ .

 2- ان الحل لقضية شعب الجنوب لا يتطلب البحث في اليمن الحضاري و التاريخي ، و انما يتطلب البحث في الحرب و نتائجها التي أسقطت مشروع الوحده و أدت الى احتلال الجنوب ، لان هذا هو الذي سيظهر رؤية الحل الواضحه و آليّة الحل الواضحه . أمّا خارج ذلك فهو مستحيل ، و من يخالفني هذه الحقيقه عليه ان يدحضها . فقد قال الشيخ عبدالله في مذكراته رحمه الله ، انهم خططوا لتعطيل اتفاقيات الوحده قبل اعلان الوحده . و هذا يعني بأنهم كانوا يهيئون للحرب ، و بالفعل جاءت الحرب و موازين القوى العسكريه لصالح الشمال . فقد كانت محافظة عدن محاصره عسكريا بقوات العمالقه الشماليه في أبين و بقوات الكبسي الشماليه في لحج قبل الحرب ، إضافةً الى آلاف العسكريين و الامنيين الشماليين المتواجدين داخل مدينة عدن نفسها .

و أذ كر ان العطاس قد أصدر قرارا بتعيين محمد علي احمد محافظا لمحافظة أبين قبل الحرب و لم يستطع الذهاب الى أبين لاستلام مهام عمله و لم يدخلها .

 

3- انه بحكم ان موازين القوى العسكريه لصالح الشمال ، فقد بعثت عوض محمد فريد المساعد الحالي لوزير الدفاع و سالم منصور دافق المسئول الحالي للحراك في المحفد ، بعثتهما الى احمد مساعد الذي كان يرافق الرئيس علي عبدالله صالح في تعز ، و طلبت منه اقناع علي عبدالله صالح بالموافقه على وثيقة العهد و الاتفاق بعد ان رفضها في خطاب له من تعز ، و قلت له ان رفض الوثيقه يعني الحرب و انه ممكن ان يكسب الحرب ، و لكنه سيخسر الوحده و سيتحمل المسئوليه لوحده و يخسر السلطه فيما بعد . و قد استطاع احمد مساعد ان يقنعه بقبول الوثيقه و اعلن قبولها من مدينة تعز . و بسبب اعلانه قبول الوثيقه ، أجتمع المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في عدن ، و أجمع على رفضها . و لكنني اثناء الاجتماع كتبت رساله صغيره للبيض اقنعته بضرورة الموافقه على الوثيقه لتجنب الحرب ، و هي الرساله التي تم تسريبها الى صنعاء و جاءت في كتاب الشميري (( ألف ساعة حرب )) .

 

 4- بعد ان وافق الطرفان على الوثيقه من حيث المبدأ ، قاما بتشكيل لجنه لتحديد مكان و زمان التوقيع عليها ، و كان من بين اعضاء اللجنه الشهيد مجاهد أبو شوارب و الشهيد جار الله عمر رحمهما الله ، و اقرت اللجنه بأنه لا يوجد مكان أمن في اليمن للتوقيع . و بعد مشاورات داخليه و خارجيه تم الاتفاق على ان يكون التوقيع في الاردن . و السؤال المحير هو كيف اصبح اليمن اليوم آمنا لمؤتمر حوار وطني يتطلب شهور من الزمن و لم يكن آمنا لتوقيع الوثيقه الذي لم يتطلب سوى ساعات ، مع ان الوضع الامني في السابق كان افضل بكثير من الان ؟؟؟ .

5- عند الذهاب الى الاردن للتوقيع على الوثيقه تم تكليفي و هيثم قاسم و السييلي و صالح عبيد بالبقاء في عدن . و في يوم التوقيع على الوثيقه جرى تفجير الوضع في موديه و في عاصمة محافظة أبين ، و تحركت الى هناك ورابطت في غرفة العمليات التابعه لأمن المحافظه حتى تمكنت من احتواء الموقف بالتعاون مع اللجنه العسكريه المشتركه التي يشرف عليها الملحق العسكري الامريكي و الفرنسي و الاردني و العماني . و كانت قوات العمالقه الشماليه المرابطه هناك قد وضعت لي عدة كمائن عندما انتقلت الى دار الضيافه في جبل خنفر ، و اصطد مت هذه الكمائن بقوات شعبيه في مدخل مدينة جعار و قُتل و جُرح عدد من الطرفين .

 6- بعد عودة الوفدين من الاردن تم الاتفاق على ان يبدأ التئام الهيئات بعقد مجلس الوزراء و لجنة الحوار في عدن ، ثم في تعز ، ثم في صنعاء المقر الدائم لها . و في يوم الاجتماع الاول في عدن قام الطرف الاخر بأرسال تعزيزات عسكريه الى شبوه عبر مأرب و اصطد مت بنقطه عسكريه في بيحان و سقط عدد من القتلى و الجرحى ، مع ان وثيقة العهد و الاتفاق تنص على عدم تحريك او تعزيز اي قوه من الطرفين مهما كانت المبررات . و في يوم الاجتماع الثاني في تعز ، قام الطرف الاخر بمهاجمة لواء باصهيب الجنوبي المرابط في ذمار و سقط عدد من القتلى و الجرحى من الجانبين . و في يوم الاجتماع الثالث في صنعاء قاموا بإنزال جوي في لودر و فجروا الوضع هناك ، و قاموا بتوتير الوضع بين اللواء الثالث الجنوبي و اللواء الرابع الشمالي المرابطين في عمران ، و حينها كنت انوب العطاس في رئاسة الوزراء و لجنة الحوار بعد ان سافر للعلاج ، و اتصل بنا هيثم قاسم من عدن و نحن في الاجتماع ، و قال ان الوضع متوتر في عمران و خطير و لابد من تداركه ، و رد عليه الارياني و قال ان هذا لا يخصنا . ثم اتصل البيض بعلي عبدالله صالح و اخبره انهم سيحركون اللجنه العسكريه بالطائره الى صنعاء من اجل ان تذهب الى عمران و تحتوي الوضع هناك . و لكنهم احتجزوا اللجنه العسكريه في مطار صنعاء لمدة 24 ساعه حتى استكملوا التجهيزات العسكريه لتدمير اللواء الجنوبي هناك ، و قاموا بتدميره يوم اعلن علي عبدالله صالح الحرب من ميدان السبعين .

 7- بعد تدمير اللواء الجنوبي في عمران دعيت جماعة الزمره الى لقاء في بيت محمد عبدالله البطاني بصنعاء ، و قلت لهم ان الحل الوحيد لتجنب الحرب الشامله هو في ازالة خوف البيض دستوريا من الضم و الالحاق ، و ازالة خوف علي عبدالله صالح دستوريا من الانفصال ، فهل بالامكان ان نتوحد على هذا الحل و نذهب اليهما و نطرح هذا الحل لهما ، و من يقبله نكون كلنا معه و من يرفضه نكون كلنا ضده ؟؟؟ . فرد أحدهم نيابة عنهم ، و قال لسنا صناع قرار عند علي عبدالله صالح ، و لا أنتم صناع قرار عند البيض . و قلت له نعم ، و لكننا اذا ما توحدنا على هذا الحل سنكون رقم يصعب عليهما تجاوزه . فقال نحن قد وعدنا علي عبدالله صالح بأننا معه و لن نتراجع .

8- بعد ذلك ألتقيت علي عبدالله صالح و قدمت له مقترح بالحل ، و وافق عليه ، ثم اتصلت بالبيض الى عدن و قلت له سأصلك غدا بمقترح تم الاتفاق عليه مع علي عبدالله صالح ، فرحب بذلك . و قد طلعت بطائره متجهه الى عدن ، و لكنها أخذتني الى الحديده و طرحتني هناك و قال الطيار انها عاطله . و بعد ذلك أخذت سيارتين من محافظ الحديده و تحركت مع حراستي الى عدن و وصلنا عدن بعد صلاة العشاء ، و قال البيض ان الوقت متأخر و أفضل ان نلتقي غدا . و في نفس الليله تم اغتيال أبن أخته و محاولة اغتيال ابنه . و في الصباح ذهبنا اليه نعزيه بدلا عن الحديث معه ، و حينها عرفت ان البلاد قد سقطت بيد مخابرات دوليه اكبر من الجميع . و بالمناسبه في صباح ذلك اليوم جرت محاولة اغتيال لي في معاشيق من قِبل جندي في الحرس الجمهوري ، و عندما قبضنا عليه و أخذنا المسد س منه ، أتصل بي الرئيس علي عبدالله صالح مباشرةً و قال هذا مجنون سلموه لقائد الحرس . و قبل ذلك جرت محاولة اغتيال لي في مكتبي بمجلس الوزراء في صنعاء من قِبل شخص اسمه القدسي (( من قدَس )) طلب مقابلتي و لديه مسد س وضعه تحت الأندروير ، و قبل دخوله الى المكتب طلب من الحراسه ان يدلوه على الحمام ، و في الحمام أخرج المسدس و وضعه تحت الكوت ، و كانت الحراسه قد شكت فيه عندما سأل عن الحمام ، و مع خروجه من الحمام قبضوا عليه و وجدوا معه المسدس جاهزا للإطلاق ، و سلموه للأمن و اعترف ، و جاءت والدته بعد اسبوع الى بيتي و قالت انه مجنون و طلبت الرحمه بأطفاله ، و اعطيت لها ورقه بإطلاقه . و هذه الواقعه قد جاءت في كتاب الشميري (( ألف ساعة حرب )) ، و لكنها جاءت بتعليلات سخيفه لم تكن من اخلاقي .

 9- ان الصراع الدولي على الجنوب مازال مستمرا . فعلى سبيل المثال هناك اصرار دولي حاليا على ان العناصر الجنوبيه المشاركه بالحوار الجاري حاليا في صنعاء ، هي ممثله للحراك الوطني السلمي الجنوبي ، بينما الحراك ذاته يحرك مسيرات مليونيه ترفض هذا الحوار . كما ان العناصر الجنوبيه ذاتها المشاركه في الحوار تقول بأنها شاركت بضغط دولي ، و انها تمثل فصيل من الحراك و ليس الحراك كله . و فوق ذلك يقولون ان التمثيل هو للحراك و ليس للجنوب . و هذا يعني بأنهم يهدفون الى استبدال الطابع الوطني للقضيه بالطابع الحقوقي لها و جعلها قضيه حقوقيه في اطار دوله واحده مثل اي قضيه من قضايا الشمال . و على كل حال اقول لمن يفكروا بذلك انهم لم يفعلوا سوى التأكيد على صواب موقف الحراك الذي يقول بأن هذا الحوار لا يعنينا .

 

 10- انه حتى و لو أفترضنا بأن الحوار يعنينا ، و ان كل اطراف الحراك موافقه عليه و مشاركه فيه ، فانها لن تمثل الجنوب ما لم تدخل كممثله للجنوب و ليست للحراك ، و فوق كل ذلك فان اي حل تخرج به لا يمكن ان يكون شرعيا إلاَّ بالاستفتاء عليه من قِبل سكان الجنوب الاصليين ، و من يخالفني هذه الحقيقه عليه ان يدحضها . و لهذا فإنني أتمنى على الدول الراعيه للحوار و على المتحاورين بأن لا يفرحوا بما وصلوا اليه في قضية الجنوب ، لان ما قدموه حولها يعزلهم عنها و يؤكد على شرعية و صواب ما يطرحه الحراك في مسيراته المليونيه المتواصله و في عصيانه المدني المتواصل ، خاصة و ان الشرعيه اليوم هي شرعية الشعوب و ليست شرعية النخب السياسيه او الثوريه . و من هذا المنطلق أقول بأن المطلب الشرعي لشعب الجنوب هو استعادة دولته المدنيه كحق مشروع طالما و الشمال استعاد دولته القبليه بحرب 1994م . و بالتالي فانه لا يمثل شعب الجنوب الاَّ من يرفع شعار استعادة الدوله ، او من سيأتي بحق تقرير المصير فقط و لا غير و بالضروره ، و من يخالفني هذه الحقيقه عليه ان يدحضها .

 11- ان الكل في تقديري عاجز ذهنيا عن فهم الوحده . فعلى سبيل المثال قال الرئيس السابق علي عبدالله صالح ان الوحده ليست شور و قول ... الخ . و هذا يعني ان فهمه للوحده هو بيع و شراء . فهل هذا القول للرئيس السابق هو دليل على فهمه للوحده ام انه دليل على عدم فهمه لها ؟؟؟ . و حاليا جاءت حكومة الوفاق الثوريه و شكلت لجان لقضايا الارض في الجنوب و تطلب من أهل الجنوب ان يثبتوا على ان الاراضي التي أخذت من قبل الشماليين هي أراضيهم ، بينما هم اصحاب الارض الاصليين ، فهل هذا دليل على فهمهم للوحده ام انه دليل على عدم فهمهم لها ؟؟؟ . كما انهم قاموا بتشكيل لجان لتسجيل المسرَّحين الذين حلت مؤسساتهم العسكريه و الامنيه و المدنيه بعد الحرب ، بهدف توزيعهم على مؤسسات الشمال بدلا عن عودة مؤسساتهم و عودتهم اليها ، فهل هذا دليل على فهمهم للوحده ام انه دليل على عدم فهمهم لها ؟؟؟ . فلو كانوا يفهمون الوحده لكانوا ألغوا الفتوى الدينيه التي بررت الحرب ، و لكانوا أصدروا قرار ببطلان الحرب و نتائجها و تشكيل لجان للتنفيذ و ليس للتحقيق مع الجنوبيين . فليس أمامهم غير الإقرار بإلغاء الفتوى و الإقرار ببطلان الحرب و نتائجها حتى يستقيم المنطق للحل ، او الإقرار علنا بشرعية الفتوى و بشرعية الحرب و نتائجها حتى يستقيم المنطق لنكران وجود القضيه الجنوبيه من اساسها . هذا هو حكم المنطق و ليس هناك منطق غيره بكل تأكيد .