قضيت من الشتاء في عدن حوالي شهرين، وشقيت، وعانيت من أمراض مختلفة تعلمونها جميعًا كما عانى منها اكثر الناس من ملاريا، إلى مكرفس إلى حمى الضنك وغيرها من الحميات بمختلف الاسماء الطبية والمحلية. سافرت إلى مصر للعلاج في منتصف الشتاء المحموم في عدن ليس بسبب هذه الحميات ؛ولكن بسبب ضعف عضلة القلب. هناك قضيت من الشتاء حوالي شهر ونصف ، والقاهرة أشد بردًا من عدن ،ولكن لم أشعرُ بأيّ مرض من هذه الحميات ،وغيري من الناس كذلك ، حتى إنَّ الملاريا هنالك قضوا عليها تماما ، وان من الناس من يأتي من اليمن أو من أفريقيا وبداخله فيروس الملاريا فلا يجدون له العلاج الاعتيادي للملاريا؛ لأنَّهم قد قضوا على هذا المرض الوبائي القاتل فلا يصنعون أدويتها ولا يستوردونها . هذه الجيوش من الأمراض التي تستوطن بلادنا وتحكم السيطرة عليها وضع خطير تعيشه الناس . فمن حيث الأمراض الوبائية المنتشرة ،فنحن لسنا طارئين على العيش في عدن ،فلم تكن هذه الأوبئة موجودة قبل سنوات حتى في التسعينيات وحتى بعد عام 2000م فقد عشنا في عدن سنين لم تكن كذلك حينها. تحدث أمراض أنفلونزا وزكام وأمراض شتوية مختلفة مقدور عليها وبصورة اعتيادية ، ولكن الآن صار الأمر غير طبيعي فيما يخص هذه الأمراض الوبائية المعدية . والطامة الكبرى ان هناك أمراضا أخرى قاتلة ،مثل: السرطان، والفشل الكلوي ، وأمراض القلب، والجلطات بمختلف أنواعها ومواطنها شاعت وانتشرت في بلادنا في الجنوب في كل المحافظات بدرجة غير طبيعية حتى كأنها اوبئة معدية وهي في الأصل ليست كذلك . لقد صادفت الكثيرين في مصر من الجنوب ومن الشمال مرضى أو ممرضين لأقاربهم على نحو مخيف من حيث العدد ومن حيث طبيعة الأمراض .حتى إنّني في عيادة القلب شعرت وكأنني في عيادة في المنصورة في عدن أو في المكلا او في صنعاء او في غيرها من المدن المنكوبة وكلهم قادمون من الجنوب ومن الشمال، وحدتنا الطائرات والمطارات والمستشقيات والعيادات في مصر والهند وغيرهما بعد ان فرقت بيننا الوحدة التي استبد بها الظالمون ، طائرة تروح وطائرة تغدو شعب مريض على طائرة !! كما قال البردوني( شعب على سفينة ) . فما الذي يحدث؟ هناك أمر غير طبيعي لا شك في ذلك، انا لا ارجف في المدينة ولا اثير الهلع ولست طبيبا ولا متخصصا في العلوم الصحية ولكنني كاتب يملي علي ضميري ان اكتب بعد ان رأيت ما رايت وقرأت ما قرأت. طبعًا المسببات كثيرة ،وهي تحتاج إلى دراسات وبحوث من أجل الحد من هذه الأوبئة أو من الأمراض القاتلة. فمنها ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والديني ، وفي فساد النفوس، قال تعالى :" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"[سورة الروم:41]، هذا الجانب لا ينبغي أن نغفل عنه . لقد جنى علينا المترفون والسفهاء والفاسدون وتجار الحروب في هذه البلاد بما جنت ايدي الناس ، فكما تكونوا يولى عليكم . وكذلك غياب الدولة ،وانعدام واجباتها ومهامها تجاه صحة الناس الا ما رحم ربي وهو قليل ، فحين تغيب الدولة تحل الكوارث من كل جانب ومنها الجانب الصحي فلا رقابة على الصناعات، ولا على الخضروات، ولاعلى المستوردات المختلفة ،فبعضها مهرب ومغشوش أو فاسد ولا على المرافق الطبية والمطاعم والصيدليات وإلى غير ذلك ، مع ارتفاع منسوب استيراد السموم والمبيدات والأسمدة من غير حسيب ولا رقيب ولا ضمائر حية تراعي عملية الاستخدام التي لا تفتك بحياة الناس ، و كذلك ضعف صحة البيئة وتدني الوعي الصحي وانتشار المخلفات وطفح المجاري والحشرات الضارة والفيروسات ، ورحم الله تعالى الدكتور احمد الشيبة الذي كان مدرسة في التوعية الصحية والطبية. وقبل ذلك وبعده حروب مستمرة لم يقتصر ضحاياها على القتلى أو على الجرحى ولكن لها آثار أخرى مدمرة مما تخلفه من بقايا الدخاخين والقنابل والمتفجرات، وتلوث الأجواء والأزمات النفسية وغيرها . فمن ضمن الأمراض المنتشرة التي وجدت اصحابها في مصر مرض نفسي يسمِّى (التوحد) ويبدو أنَّ أكثر هذه الحالات من بعد 2015م وأكثرهم من الأطفال . هكذا الحرب لها نتائج مدمرة . ما السبيل إلى الحد من كل هذا؟ ألا يكفي هذ الشعب غياب الخدمات، والغلاء، وسوء التغذية وضعف الجانب الأمني، وعدم الاستقرار، والبطالة ؟ جاء في المثل ( إذا قد العيشة نكد حسن المرقد) ولكن حتى المرقد لم يستطب ولن يستطيب فلم يستطع أحدً أنْ يحسنه في مثل هذه الأوضاع . ان العودة إلى الله تعالى واجبة ومنجاة للخروج من هذا المأزق على مستوى الفرد وعلى مستوى الأسرة وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى الدولة ولينهض كل بواجبه تجاه صحته وصحة المجتمع حيث ماكان موقعه فالعافية ليس لها عوض ولا ثمن ، فهي تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى . نسال الله تعالى العافية والسلامة من كل سوء .